الانبياء ـ ٢٨ ، فأثبت الشفاعة على من إرتضي ، وقد أطلق الارتضاء من غير تقييد بعمل ونحوه ، كما فعلة في قوله : ( إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ) طه ـ ١٠٩ ، ففهمنا أن المراد به إرتضاء أنفسهم أي إرتضاء دينهم لا إرتضاء عملهم ، فهذه الآية أيضا ترجع من حيث الافادة إلى ما ترجع إليه الآيات السابقة ثم إنه تعالى قال ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ) فهو يملك الشفاعة ( أي المصدر المبني للمفعول ) وليس كل مجرم بكافر محتوم له النار ، بدليل قوله تعالى : ( إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيي ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فاؤلئك لهم الدرجات العلى ) طه ـ ٧٥ ، فمن لم يكن مؤمنا قد عمل صالحا فهو مجرم سواء كان لم يؤمن ، أو كان قد آمن ولم يعمل صالحا ، فمن المجرمين من كان على دين الحق لكنه لم يعمل صالحا وهو الذي قد اتخذ عند الله عهدا لقوله تعالى : ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ) يس ـ ٦١ فقوله تعالى : ( وأن اعبدوني ) عهد بمعنى الامر وقوله تعالى : ( هذا صراط مستقيم ، عهد بمعنى الالتزام لاشتمال الصراط المستقيم على الهداية إلى السعادة والنجاة ، فهؤلاء قوم من أهل الايمان يدخلون النار لسوء أعمالهم ، ثم ينجون منها بالشفاعة ، وإلى هذا المعنى يلوح قوله تعالى : ( قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل اتخذتم عند الله عهدا ) البقرة ـ ٨٠ ، فهذه الآيات أيضا ترجع إلى ما ترجع إليه الآيات السابقة ، والجميع تدل على أن مورد الشفاعة أعني المشفوع لهم يوم القيمة هم الدائنون بدين الحق من أصحاب الكبائر ، وهم الذين إرتضى الله دينهم.
٤ ـ من تقع منه الشفاعة ؟
قد عرفت أن الشفاعة منها تكوينية ، ومنها تشريعية ، فأما الشفاعة التكوينية فجملة الاسباب الكونية شفعاء عند الله بما هم وسائط بينه وبين الاشياء. وأما الشفاعة التشريعية ، وهي الواقعة في عالم التكليف والمجازات ، فمنها ما يستدعي في الدنيا مغفرة من الله سبحانه أو قربا وزلفى : فهو شفيع متوسط بينه وبين عبده. ومنه