بحث روائي
إستفاضت الروايات عن أئمة أهل البيت عليهالسلام أنهم قالوا : ( لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين الحديث ).
وفي العيون بعدة طرق لما إنصرف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام من صفين قام إليه شيخ ممن شهد الواقعة معه فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا من مسيرنا هذا أبقضاء من الله وقدر ، فقال له أمير المؤمنين ( أجل يا شيخ فو الله ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد الا بقضاء من الله وقدر ) ، فقال الشيخ عند الله احتسب عنائي يا أمير المؤمنين فقال : ( مهلا يا شيخ لعلك تظن قضاء حتما وقدرا لازما ، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والامر والنهي والزجر ، ولسقط معنى الوعد والوعيد ، ولم تكن على مسئ لائمة ولا لمحسن محمدة ، ولكان المحسن أولى باللائمة من المذنب والمذنب أولى بالاحسان من المحسن ، تلك مقالة عبدة الاوثان وخصماء الرحمن وقدرية هذه الامة ومجوسها. يا شيخ إن الله كلف تخييرا ونهى تحذيرا ، وأعطى على القليل كثيرا ولم يعص مغلوبا ، ولم يطع مكروها ولم يخلق السموات والارض وما بينهما باطلا. ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار الحديث ).
أقول : قوله : بقضاء من الله وقدر إلى قوله : عند الله أحتسب عنائي. ليعلم أن من أقدم المباحث التي وقعت في الاسلام موردا للنقض والابرام ، وتشاغبت فيه الانظار مسألة الكلام ومسألة القضاء والقدر وإذ صوروا معنى القضاء والقدر وإستنتجوا نتيجتة فإذا هي أن الارادة الالهية الازلية تعلقت بكل شئ من العالم فلا شئ من العالم موجودا على وصف الامكان ، بل إن كان موجودا فبالضرورة ، لتعلق الارادة بها واستحالة تخلف مرادة تعالى عن إرادتة ، وان كان معدوما فبالامتناع لعدم تعلق الارادة بها وإلا لكانت موجودة ، وإذا اطردت هذه القاعدة في الموجودات وقع الاشكال في الافعال الاختيارية الصادرة منا فانا نرى في بادي النظر أن نسبة هذه الافعال وجودا وعدما الينا متساوية ، وإنما يتعين واحد من الجانبين بتعلق الارادة به