يسند الامر في الكل إلى الله سبحانه فيستنتج منه أن الاسباب الوجودية غير مستقلة في التأثير والمؤثر الحقيقي بتمام معنى الكلمة ليس إلا الله عز سلطانه. قال تعالى : ( ألا له الخلق وألامر ) الاعراف ـ ٥٣ ، وقال تعالى ( لله ما في السموات وما في الارض ) البقرة ـ ٢٨٤ ، وقال تعالى : ( له ملك السموات والارض ) الحديد ـ ٥ ، وقال تعالى : ( قل كل من عند الله ) النساء ـ ٧٧. إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على أن كل شئ مملوك محض لله لا يشاركه فيه احد ، وله أن يتصرف فيها كيف شاء وأراد وليس لاحد أن يتصرف في شئ منها إلا من بعد أن يأذن الله لمن شاء ويملكه التصرف من غير إستقلال في هذا التمليك أيضا ، بل مجرد إذن لا يستقل به المأذون له دون أن يعتمد على إذن الآذن ، قال تعالى : ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ) آل عمران ـ ٢٦ ، وقال تعالى : ( الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى ) طه ـ ٥٠ ، إلى غير ذلك من الآيات ، وقال تعالى أيضا : ( له ما في السموات وما في الارض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) البقرة ـ ٢٥٥ ، وقال تعالى : ( ثم استوى على العرش يدبر الامر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ) يونس ـ ٣.
فالاسباب تملكت السببية بتمليكه تعالى ، وهي غير مستقلة في عين أنها مالكة. وهذا المعنى هو الذي يعبر سبحانه عنه بالشفاعة والاذن ، فمن المعلوم أن الاذن إنما يستقيم معناه إذا كان هناك مانع من تصرف المأذون فيه ، والمانع أيضا إنما يتصور فيما كان هناك مقتض موجود يمنع المانع عن تأثيره ويحول بينه وبين تصرفه.
فقد بان أن في كل السبب مبدئا مؤثرا مقتضيا للتأثير به يؤثر في مسببه ، والامر مع ذلك لله سبحانه.
ثم إنه تعالى قال : ( وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون ) المؤمن ـ ٧٨.
فأفاد إناطة اتيان أية آية من أي رسول بإذن الله سبحانه فبين أن إتيان الآيات