( وهو يوم القيمة ) ونزل الملائكة تنزيلا. الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا ) الفرقان ـ ٢٦ ، ودلالتها ظاهرة. وسيأتي تفصيل القول فيها في محله إنشاء الله تعالى.
ومن الآيات قوله تعالى : ( قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل ) المؤمن ـ ١١ ، فهنا إلى يوم البعث ـ وهو يوم قولهم هذا ـ إماتتان وإحيائان ، ولن تستقيم المعنى إلا بإثبات البرزخ ، فيكون إماتة وأحياء في البرزخ وإحياء في يوم القيمة ، ولو كان أحد الاحيائين في الدنيا والاخر في الاخرة لم يكن هناك إلا إماتة واحدة من غير ثانية ، وقد مر كلام يتعلق بالمقام في قوله تعالى : ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ) البقره ـ ٢٨ ، فارجع.
ومن الايات قوله تعالى : ( وحاق بآل فرعون سوء العذاب. النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب ) المؤمن ـ ٤٦ ، إذ من المعلوم أن يوم القيمة لا بكرة فيه ولا عشى فهو يوم غير اليوم.
والآيات التي تستفاد منها هذه الحقيقة القرآنية ، أو تؤمي إليها كثيرة ، كقوله تعالى : ( تالله لقد أرسلنا إلى امم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم ) النحل ـ ٦٣ ، إلى غير ذلك.
تجرد النفس
ويتبين بالتدبر في الآية ، وسائر الآيات التي ذكرناها حقيقة أخرى أوسع من ذلك ، وهي تجرد النفس ، بمعنى كونها أمرا وراء البدن وحكمها غير حكم البدن وسائر التركيبات الجسمية ، لها نحو اتحاد بالبدن تدبرها بالشعور والارادة وسائر الصفات الادراكية ، والتدبر في الآيات السابقة الذكر يجلي هذا المعنى فإنها تفيد أن الانسان بشخصه ليس بالبدن ، لا يموت يموت البدن ، ولا يفنى بفنائه ، وانحلال تركيبه وتبدد أجزائه ، وأنه يبقى بعد فناء البدن في عيش هنئ دائم ، ونعيم مقيم ، أو في شقاء لازم ، وعذاب أليم ، وأن سعادته في هذه العيشة ، وشقائه فيها مرتبطة بسنخ ملكاتة وأعماله ، لا بالجهات الجسمانية والاحكام الاجتماعية.