وبث دين الحق ، وحكم العدل ، وقطع دابر الباطل وسيلة إلا القتال ، فإن التجارب الممتد من لدن كان الانسان نازلا فيهذه الدار يعطي أن الحق إنما يؤثر إذا أميط الباطل ، ولن يماط إلا بضرب من إعمال القدرة والقوة.
وبالجملة ففي الآيات تلويح إلى إقبال هذه المحنة بذكر القتل في سبيل الله ، وتوصيفه بوصف لا يبقى فيه معه جهي مكروهة ، ولا صفة سوء ، وهو أنه ليس بموت بل حيوة ، وأي حيوة !
فالآيات تستنهض المؤمنين على القتال ، وتخبرهم أن أمامهم بلاء ومحنة لن تنالوا مدارج المعالي ، وصلوة ربهم ورحمته ، والاهتداء بهدايته إلا بالصبر عليها ، وتحمل مشاقها ، ويعلمهم ما يستعينون به عليها ، وهو الصبر والصلوة ، أما الصبر : فهو وحده الوقاية من الجزع واختلال أمر التدبير ، وأما الصلوة : فهي توجه إلى الرب ، وانقطاع إلى من بيده الامر ، وأن القوة لله جميعا.
قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إستعينوا بالصبر والصلوة إن الله مع الصابرين الآية ، قد تقدم جملة من الكلام في الصبر والصلوة في تفسير قوله : ( واستعينوا بالصبر والصلوة وأنها لكبيرة إلا على الخاشعين ) البقرة ـ ٤٥ ، والصبر : من أعظم الملكات والاحوال التي يمدحها القرآن ، ويكرر الامر به حتى بلغ قريبا من سبعين موضعا من القرآن حتى قيل فيه : ( إن ذلك من عزم الامور ) لقمان ـ ١٧ ، وقيل : ( وما يلقيها إلا الذين صبروا وما يلقيها إلا ذو حظ عظيم ) فصلت ـ ٣٥ ، وقيل : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) الزمر ـ ١٠.
والصلوة : من أعظم العبادات التي يحث عليها في القرآن حتى قيل فيها : ( إن الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) العنكبوت ـ ٤٥ ، وما أوصى الله في كتابه بوصايا إلا كانت الصلوة رأسها وأولها.
ثم وصف سبحانه الصبر بأن الله مع الصابرين المتصفين بالصبر ، وإنما لم يصف الصلوة ، كما في قوله تعالى : ( وأستعينوا بالصبر والصلوة وإنها لكبيرة الآية ) ، لان المقام في هذه الآيات ، مقام ملاقات الاهوال ومقارعة الابطال ، فالاهتمام بأمر الصبر أنسب بخلاف الاية السابقة ، فلذلك قيل : إن الله مع الصابرين ، وهذه المعية غير المعية