التي يدل عليه قوله تعالى : ( وهو معكم أينما كنتم ) الحديد ـ ٤ ، فإنها معية الاحاطة والقيمومة ، بخلاف المعية مع الصابرين ، فإنها معية إعانة فالصبر مفتاح الفرج.
قوله تعالى : ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون الآية ، ربما يقال : إن الخطاب مع المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله واليوم الاخر وأذعنوا بالحيوة الاخرة ، ولا يتصور منهم القول ببطلان الانسان بالموت ، بعد ما أجابوا دعوة الحق وسمعوا شيئا كثيرا من الايات الناطقة بالمعاد ، مضافا إلى أن الاية إنما تثبت الحيوة بعد الموت في جماعة مخصوصين ، وهم الشهداء المقتولون في سبيل الله ، في مقابل غيرهم من المؤمنين ، وجميع الكفار ، مع أن حكم الحيوة بعد الموت عام شامل للجميع فالمراد بالحيوة بقاء الاسم ، والذكر الجميل على مر الدهور ، وبذلك فسره جمع من المفسرين.
ويرده أولا : أن كون هذه حيوة إنما هو في الوهم فقط دون الخارج ، فهي حيوة تخيلية ليس لها في الحقيقة إلا الاسم ، ومثل هذا الموضوع الوهمي لا يليق بكلامه ، وهو تعالى يدعو إلى الحق ، ويقول : ( فما ذا بعد الحق إلا الضلال ) يونس ـ ٣٢ ، وأما الذي سئله إبراهيم في قوله ( واجعل لي لسان صدق في الاخرين ) الشعراء ـ ٨٤ ، فإنما يريد به بقاء دعوته الحقة ، ولسانه الصادق بعده ، لا حسن ثنائه وجميل ذكره بعده فحسب.
نعم هذا القول الباطل ، والوهم الكاذب إنما يليق بحال المادين ، وأصحاب الطبيعة ، فإنهم اعتقدوا : مادية النفوس وبطلانها بالموت ونفوا الحيوة الآخرة ثم أحسوا بإحتياج الانسان بالفطرة إلى القول ببقاء النفوس وتأثرها بالسعادة والشقاء ، بعد موتها في معالي أمور ، لا تخلو في الارتقاء إليها من التفدية والتضحية ، لا سيما في عظائم العزائم التي يموت ويقتل فيها أقوام ليحيي ويعيش آخرون ، ولو كان كل من مات فقد فات لم يكن داع للانسان ( وخاصة إذا اعتقد بالموت والفوت ) أن يبطل ذاته ليبقى ذات آخرين ، ولا باعث له أن يحرم على نفسه لذة الاستمتاع من جميع ما يقدر عليه بالجور ليتمتع آخرون بالعدل ، فالعاقل لا يعطي شيئا إلا ويأخذ بدله وأما الاعطاء من غير بدل ، والترك من غير أخذ ، كالموت في سبيل حيوة الغير ، والحرمان في طريق