فالأولى عطف عنان الكلام إلى ما يهم ذكره من التنبيهات التي ذكرها الشيخ ( قدس سره القدوسي ).
التنبيه الأوّل :
لا إشكال في رجحان الاحتياط عقلا في جميع أقسام الشبهة التحريمية والوجوبية الحكمية والموضوعية (١).
وفي استحبابه الشرعي من جهة أوامر الاحتياط إشكال ، لاحتمال أن تكون الأخبار الواردة في الباب ـ على كثرتها ـ للإرشاد إلى ما يستقل به العقل من حسن الاحتياط تحرزا عن الوقوع في المفسدة الواقعية وفوات المصلحة النفس الأمرية ، وحكم العقل برجحان الاحتياط وحسنه إنما يكون طريقا إلى ذلك ، لا أنه نشأ عن مصلحة في نفس ترك ما يحتمل الحرمة وفعل ما يحتمل الوجوب ، بحيث يكون ترك المحتمل وفعله بما أنه محتمل ذا مصلحة يحسن استيفائها عقلا.
ومن ذلك يظهر : فساد ما ربما يتوهم : من استحباب الاحتياط شرعاً
________________________
١ ـ أقول : عدم الريب في رجحان الاحتياط يقتضي حسنه حتى مع عدم مصلحة الواقع ، وحينئذ نسئل بأنه ما المناط في حسنه؟ فان كان بملاحظة حسن الاحتياط مقدمة لحفظ الواقع فهو غلط ، إذ صورة المخالفة مباين مع صورة المصلحة لا مقدمة ولا ملازم. نعم : هو مقدمة للعلم بتحصيل الواقع ، وترشيح حسنه منه فرع حسن تحصيل العلم بالواقع ، وهو أول الكلام ، وحينئذ ما معنى طريقية حسن الاحتياط بالنسبة إلى مصلحة الواقع؟ فلا محيص حينئذ إما من دعوى إرشادية حكم العقل بالاحتياط لمحض حفظ المصالح بلا حسن فيه ، أو دعوى وجود مناط لحسنه حتى في صورة المخالفة ولو من جهة كونه موجبا لاستحقاق المثوبة ، نظير حسن الإطاعة الناشئة عن هذه الجهة ، وبذلك أيضا منعنا في مثله جريان قاعدة الملازمة ، وحينئذ لا يسمى مثل هذا الحسن طريقيا ، بل هو من شؤون إتيان محتمل الوجوب برجائه ، فيكون من تبعات الوجوب لا مستتبعا له ، كما لا يخفى.
نعم : هذا البيان أيضا إنما يصح على المختار من حسن الانقياد ، وإلا فعند من لا يقول بحسن العمل بل غايته أنه يكشف عن حسن سريرة الفاعل ـ كما هو مقالته في التجري ـ فلا يكون لحسن العمل مناط أصلا ، بل لا محيص لمثل « المقرر » إلا من الالتزام بالإرشاد ، كما لا يخفى.