المقام ، بل تعرض له في طي تنبيهات مبحث الأقل والأكثر ، ولعل بين الوجهين نحوا من الملازمة في النتيجة بحسب ما تقتضيه الأصول العملية.
وعلى كل حال : تنقيح البحث في دوران الأمر بين التعيينية والتخييرية يستدعى رسم أمور :
الأمر الأوّل :
الواجب التخييري على أقسام ثلاثة :
القسم الأوّل : الواجب التخييري بحسب الجعل الابتدائي الشرعي ـ أي كان الخطاب من أول الأمر خطابا تخييريا ذا أفراد في مقابل الخطاب التعييني ـ كخصال الكفارات ، فان الحكم المجعول الشرعي عند تعمد الإفطار في نهار شهر رمضان إنما هو التخيير بين الخصال الثلاث : من العتق والإطعام والصيام ، وفي كيفية إنشاء الخطاب التخييري وتصويره وجهان بل قولان :
فقيل : إن الخطاب التخييري عبارة عن تقييد إطلاق الخطاب المتعلق بكل من الفردين أو الأفراد بما إذا لم يأت المكلف بعدله ، فيكون وجوب العتق في الخصال مقيدا بعدم الإطعام والصيام ، ووجوب الإطعام مقيدا بعدم العتق والصيام ، وهكذا ، ومن تقييد إطلاق الخطابين ينشأ التخيير (١).
__________________
١ ـ أقول : لا مجال للالتزام بتقيد إطلاق الخطاب بعدم الإتيان بالغير في التخييرات الواردة في الشريعة ، فان لازمه عدم تحقق الامتثال بالواجب التخييري عند إتيانهما ، ولا أظن في التخييرات الشرعية ما كانت بهذه المثابة ولم يتوهمه أحد أيضا ، فلا محيص حينئذ في تصوير الواجب التخييري من بيان آخر به تصير سنخ آخر من الخطاب قبال الواجب التعييني. و « المقرر » ما شرح هذا السنخ في المقام وإنما بينه في طي تحقيقه في جريان الأصل فيه ، وملخص ما أفاده : هو أن الوجوب التعييني عبارة عن وجوب شيء بلا جعل عدل له في طي الخطاب ، بخلاف التخييري فإنه عبارة عن ايجاب شيء مع ايجاب شيء آخر عدلاً له.
أقول : لا يخفى أن وجود كل شيء طارد لجميع أنحاء عدمه ، ومن جملة أنحاء عدمه عدمه حين وجود غيره ، وحينئذ إذا تعلق الطلب بهذا الوجود ، فان كان الطلب حاويا لشراشر وجوده المستلزم لطرد عدمه حتى مثل هذا