ثم إن المحاذير المتوهمة من التعبد الأمارات ـ منها : ما يرجع إلى المحذور الملاكي. ومنها : ما يرجع إلى المحذور الخطابي (١).
أمّا الأوّل : فتقريبه ـ أنه يلزم من التعبد بالظن تفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة عند مخالفة الظن للواقع ، وإدائه إلى وجوب ما يكون حراما أو حرمة ما يكون واجبا (٢) وإلى ذلك ينظر الاستدلال المحكى عن « ابن قبة » من أنه يوجب تحليل الحرام وتحريم الحلال.
ولا يخفى : أن محذور تفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة يتوقف على أمور :
الأول : الالتزام بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في المتعلقات وأن تلك المصالح تجرى في عالم التشريع مجرى العلل التكوينية من استتباعها للأحكام وكونها لازمة الاستيفاء في عالم التشريع (٣) لا أنها من المرجحات والمحسنات لتشريع الأحكام من دون أن تكون لازمة الاستيفاء ، فإنها لو كانت كذلك لا يلزم من تفويتها محذور.
الثاني : الالتزام بأن المجعول في باب الأمارات نفس الطريقية المحضة و
__________________
١ ـ أقول : في المحذور الخطابي جهتان : إحديهما شبهة التضاد بين الحكمين عند المخالفة ، والأخرى شبهة نقض الغرض ، بتقريب : أن مع فرض تعلق الإرادة بشيء يستحيل جعل شيء يوجب تفويت مرامه ، كما لا يخفى.
ثم إن هذه الشبهة مختص بصورة المخالفة ، ولا يجرى عند موافقة الأمارة للواقع ، بخلاف شبهة التضاد ، فإنه يجرى حتى في صورة الموافقة ، لأن المثلان كالضدان ، بناء على التحقيق : من عدم مجيء شبهة التأكد في المقام ، كما توهم.
٢ ـ أقول : أو إداء الجعل إلى تفويت مرامه باختياره الراجع إلى نقض غرضه ، ويمكن إرجاع كلام « ابن قبة » إليه أيضا.
٣ ـ أقول : يعنى اقتضائه له على وجه قابل لمنع المانع في عالم الوجود مع كونها علة تامة للخطاب وتشريع الأحكام من دون منافاة بينهما ، إذ هذا المعنى يناسب كلام الإمامية لا العلية المطلقة.