الإطاعة عقلا يرجع بالأخرة إلى الشك في التعيين والتخيير لا الأقل والأكثر ، والأصل يقتضي التعيين ، كما سيأتي توضحيه في محله.
ولا يقاس الشك في اعتبار شيء في كيفية الإطاعة العقلية بالشك في اعتبار مثل قصد التعبد والوجه ، لما عرفت من أن اعتبار مثل قصد التعبد والوجه إنما يكون بتقييد العبادة شرعا بذلك ولو بنتيجة التقييد (١) فالشك فيه يرجع إلى الشك في الأقل والأكثر الارتباطي ، وهذا بخلاف الشك في اعتبار شيء في كيفية الإطاعة العقلية ، فإنه يرجع إلى الشك في التعيين والتخيير (٢) كما لو فرض الشك في كون الإمتثال التفصيلي في عرض الإمتثال الاحتمالي أو طوله ، كما سيأتي بيانه.
الأمر الثالث : مراتب الامتثال والإطاعة عند العقل أربعة (٣)
__________________
(١) سيأتي في مبحث الاشتغال أن اعتبار الامتثال التفصيلي لابد وأن يرجع إلى تقييد العبادة به شرعا ولو بنتيجة التقييد ، ولكن مع ذلك الأصل الجاري فيه عند الشك هو الاشتغال ، لدوران الأمر فيه بين التعيين والتخيير ( منه ).
(٢) أقول : ويمكن إرجاع قيود الامتثال أيضا إلى الأقل والأكثر بارجاع الشك فيها أيضا إلى الشك في دخل مرتبة زائدة من بقية المراتب من حيث دخل خصوصية زائدة في بعضها دون بعض ، مع فرض حفظ الفاقد في ضمن الواجد. نعم : لو كان نسبتها من قبيل الكلي المتواطي ـ بنحو لا يكون الفاقد محفوظا في ضمن الواجد ـ كان المرجع التعيين والتخيير ، فتدبر في ملاك الفرق بين المسألتين ، وتدبر أيضا في أن ما نحن فيه من أيهما؟.
(٣) أقول : بعد ما كان في المقام مرحلتان : أحدهما مقام إثبات التكليف بعلم ولو إجمالا أو غيره ، والآخر مرحلة إسقاطه وامتثال ما ثبت بأي طريق وأن قطعية مرحلة الإسقاط غير مرتبط بمرحلة إثباته ، لأنه ربما يكون المثبت للتكليف علما ولكن المسقط له ظنا ، وربما يكون الأمر بالعكس.
فلنا حينئذ مجال السؤال بأنه ما المراد من مراتب الامتثال؟ فإن أريد به مراتبه الناشئة عن مراتب طريقه ، فلا يزال يكون مرتبة الامتثال قطعيا ، وإنما ظنه بظنية طريقه ، وحينئذ المراتب المسطورة محسوبة للطريق لا الامتثال مع أنه على هذا لا يتصور الامتثال الإجمالي في أطراف العلم الإجمالي ولا الظني ، أيضا.
وإن أريد به مراتب الامتثال في التكليف الثابت بأي طريق ، فهو ربما يختلف ، ولكن ليس ظنيته من جهة كيفية طريقه ، بل لابد وأن يكون ظنيا بظن ثابت في هذه المرحلة ، كما هو الشأن في مرجعية الظن بناء على التبعيض في الاحتياط ، وفي مثله لا يتصور حجية الظن على الكشف.