بخلاف الأحكام التكليفية ، فإنه لما كان الأمر يتعلق بعمل المكلف ابتداء ، فيمكن أن تكون المصلحة في العمل.
هذا ، ولكن لا يخفى ما فيه ، فإنه مضافا إلى ما تقدم في مباحث القطع : من أنه لا معنى لاشتمال نفس الأمر على المصلحة.
يرد عليه : أنه إن قلنا : بأن الأحكام الوضعية منتزعة عن الأحكام التكليفية ، كما عليه الشيخ قدسسره فالحكم التكليفي الذي ينتزع عنه الحجية والطريقية لابد وأن يتعلق بعمل المكلف ، وذلك العمل هو الذي يشتمل على المصلحة السلوكية بالبيان المتقدم.
وإن قلنا : إن الأحكام الوضعية متأصلة في الجعل ـ كما هو الحق عندنا على ما سيأتي بيانه ـ فالمصلحة إنما تكون في المجعول لا في نفس الجعل ، بداهة أن النجاسة أو الطهارة المجعولة هي التي على المفسدة والمصلحة ، لا أن المصلحة في نفس جعل النجاسة والطهارة ، وكذا الحال في سائر الأحكام الوضعية.
فالإنصاف : أن إضافة لفظ « الأمر » في العبارة كان بلا موجب ، بل لعله يخل بما هو المقصود : من كون المصلحة في السلوك وتطبيق العمل على المؤدى.
هذا تمام الكلام فيما يلزم من التعبد بالأمارات والأصول من المحذور الملاكي ، وقد عرفت : أنه لا محذور فيه أصلا.
وأما المحذور الخطابي فحاصله : أنه يلزم اجتماع حكمين متضادين أو متناقضين من التعبد بذلك عند مخالفة الأمارة أو الأصل للواقع وإدائها إلى حرمة ما يكون واجبا أو عدم وجوب ما يكون واجبا.
وقد يقال : بلزوم اجتماع المثلين عند مصادفة الأمارة أو الأصل للواقع وإدائها إلى وجوب ما يكون واجبا ، فلا يختص الإشكال بصورة المخالفة ، ولكن قد تقدم في بعض مباحث القطع : من أن لزوم اجتماع المثلين ليس محذورا ، فان الاجتماع يوجب التأكد ، ويكون الوجوب المجامع لمثله آكد