أنّ اللازم هو تحصيل الغرض يكون المرجع عند الشك هو الاشتغال (١) من غير فرق بين الشك في أصل اعتبار قصد الامتثال أو الشك فيما يستتبعه من قصد الوجه ومعرفته ، فإنه على هذا المعنى لا يرجع الشك إلى ما يكون مجعولا شرعيا حتى تجرى فيه البراءة الشرعية ، وصاحب هذا المسلك لابد له من دعوى القطع بعدم اعتبار قصد الوجه ، وإلا فلو وصلت النوبة إلى الشك يكون الأصل فيه هو الاشتغال. ولكن المبنى عندنا فاسد ، فالأصل يقتضي البرائة.
الأمر الثاني : لا إشكال في أن الحاكم بالاستقلال في باب الطاعة وحسنها هو العقل ، لا بمعنى أنه ليس للشارع التصرف في كيفية الإطاعة. فان ذلك بمعزل عن الصواب ، لوضوح أن حكم العقل في باب الطاعة إنما هو لأجل رعاية امتثال الأوامر الشرعية والخروج عن عهدتها ، فللشارع أن يتصرف في كيفية إطاعة أوامره زائدا عما يعتبره العقل كبعض مراتب الرياء ، حيث قامت الأدلة الشرعية على اعتبار خلو العبادة عن أدنى شائبة الرياء مع أن العقل لا يستقل بذلك ، وللشارع أيضا أن يكتفى في امتثال أوامره بما لا يكتفى به العقل لو خلى ونفسه ، كما في الأصول الشرعية الجارية في وادى الفراغ ، ولكن كل ذلك يحتاج إلى قيام الدليل عليه ، فلو لم يقم دليل شرعي على التصرف في بيان كيفية الإطاعة فالأمر موكول إلى نظر العقل ، فان استقل بشيء فهو ، وإلا فالمرجع هو أصالة الاشتغال لا البراءة ، لأن الشك في اعتبار شيء في كيفية
________________________
(١) أقول : لازم هذا المسلك لزوم الاحتياط في كلية الأقل والأكثر. والأولى في وجه الاحتياط المختص بمثل هذه القيود كونها خارجة عن دائرة المأمور به ، لمحذور الدور ، فلا يرجع الشك فيها إلا إلى الشك في سقوط الأمر عما تعلق به جزما ، وبه تمتاز عن بقية الأجزاء ، فان الشك فيها يرجع إلى الشك في أصل توجه الأمر إليها ، فالشك فيها يرجع إلى الشك في أصل الاشتغال ، بخلاف الشك في القيود المزبورة ، فإنه يرجع إلى الشك في الفراغ عما اشتغل الذمة به ، كما لا يخفى. فتدبر فيه وفي دفع هذه الشبهة أيضا ، كما سيتضح في محله ( إن شاء الله تعالى ).