والفرق بين هذا الوجه والوجه الثاني مما لا يكاد يخفى ، فان مبنى الوجه الثاني هو لزوم المخالفة الكثيرة المعبر عنها بالخروج عن الدين ، وذلك بنفسه محذور مستقل حتى على مسلك من يقول : إن العلم الإجمالي لا يقتضي التنجيز ولا يستدعي الموافقة القطعية بل يجوز المخالفة القطعية ، كما ذهب إليه بعض الأعلام. وهذا بخلاف الوجه الثالث ، فإنه مبنى على منجزية العلم الإجمالي وعدم جريان الأصول النافية في أطرافه ولو كان المعلوم بالإجمال تكليفا واحدا تردد بين أمور محصورة بحيث لم يلزم من مخالفته إلا مخالفة تكليف واحد لا مخالفة تكاليف كثيرة ، كما هو مبنى الوجه الثاني.
والإنصاف : أن الوجوه الثلاثة ـ التي استدلوا بها على المقدمة الثانية من مقدمات دليل الانسداد ـ في غاية الصحة والمثابة غير قابلة للخدشة فيها.
وينبغي أن يعلم اختلاف هذه الوجوه الثلاثة في مدرك المقدمة الثانية هو الذي يوجب اختلاف النتيجة من حيث الكشف والحكومة ، فإنه لو كان المستند في بطلان إهمال الوقايع المشتبهة والرجوع إلى الأصول العدمية هو الوجه الأول والثاني كانت النتيجة الكشف لا محالة (١) فإن مرجع الإجماع أو
__________________
١ ـ أقول : بعد الجزم بعدم الاكتفاء في امتثال الأحكام بأقل قليل إجماعا أو لمحذور عدم صدق التدين بهذا الدين ، فلو فرض عدم جعل من قبل الشارع ، فلا شبهة في أن العقل ملزم باتخاذ طريق في امتثال الأحكام بمقدار الخروج عن المحذور.
وتوهّم : انه لولا تصرف من الشارع كان العقل مجوزا لتعطيل الدين والخروج عنه بالسكون وعدم التعرض للوقايع المشكوكة ـ خارج عن الوجدان السليم والذوق المستقيم ، وحينئذ فمع هذا الحكم العقلي لا يبقى طريق لاستكشاف جعل شرعي في البين. ومجرد عدم حكم العقل بشيء في واقعة مشكوكة أو أزيد لا يكون شاهد منع حكم العقل حتى في صورة لزوم محذور الخروج عن الدين ، وحينئذ عمدة وجه الاستكشاف للجعل الشرعي منع احتمال ايكال الشارع في رفع هذا المحذور إلى مثل هذا الحكم العقلي ، وإلا فمنع أصل حكمه حتى مع عدم تصرف شرعي يكذبه الوجدان السليم ، وحينئذ اثبات منع الإتكال دونه خرط القتاد ، وهو عمدة مدرك القائل بالحكومة في قبال الكشف.
هذا كله ، مع أنه على فرض لزوم جعل من الشارع وعدم اتكاله إلى حكم العقل من المحتمل كون المجعول طريقا إلى إحراز الدين ايجاب الاحتياط بلا عناية تتميم الكشف ، غاية الأمر بضم بقية المقدمات يتعين دائرة