فتبيّنوا » كانت الآية ذات مفهوم ويكون مفادها « النبأ إن لم يكن الجائي به فاسقا فلا تتبينوا عنه » فتدل على اعتبار نبأ العادل ، ولكن هذا تصرف في الآية بلا شاهد عليه وخلاف ما يقتضيه ظاهرها ، وإلا فكل قضية يمكن أن يتصرف فيها على وجه ترجع إلى كونها ذات مفهوم.
هذا ، ولكن الإنصاف : أنه يمكن استظهار كون الموضوع في الآية مطلق النبأ والشرط هو مجيء الفاسق به من مورد النزول ، فان موردها ـ كما تقدم ـ كان إخبار « الوليد » بارتداد « بني المصطلق » فقد اجتمع في إخباره عنوانان : كونه من الخبر الواحد وكون المخبر فاسقا ، والآية الشريفة إنما وردت لإفادة كبرى كلية لتمييز الأخبار التي يجب التبين عنها عن الأخبار التي لا يجب التبين عنها ، وقد علق وجوب التبين فيها على كون المخبر فاسقا ، فيكون الشرط لوجوب التبين هو « كان المخبر فاسقا » لا « كون الخبر واحدا » لأنه لو كان الشرط ذلك لعلق وجوب التبين في الآية عليه (١) لأنه باطلاقه شامل لخبر الفاسق ، فعدم التعرض لخبر الواحد وجعل الشرط خبر الفاسق كاشف عن انتفاء التبين في خبر غير الفاسق.
ولا يتوهم : أن ذلك يرجع إلى تنقيح المناط أو إلى دلالة الإيماء ، فان ما بيناه من التقريب ينطبق على مفهوم الشرط.
وبالجملة : لا إشكال في أن الآية تكون بمنزلة الكبرى الكلية ، ولابد من أن يكون مورد النزول من صغرياتها (٢) وإلا يلزم خروج المورد عن العام وهو قبيح ، بل العام بالنسبة إلى المورد كالنص وكأنه مذكور في العام
________________________
١ ـ أقول : ذلك صحيح لولا احتمال كون النكتة التنبيه على فسق « الوليد » لا من جهة خصوصية له في المقام ، فتأمل.
٢ ـ أقول : لا إشكال في أن مورد النزول من صغريات الكبرى ، وإنما الكلام في أن الآية في مقام بيان حكم خبر الفاسق ، أو في بيان تمييز ما يجب التبين فيه عما لا يجب ، والذي هو مورد الكلام هو الثاني دون الأول ، إذ عليه لا يفيد هذا البيان شيئا ، كما لا يخفى.