ومن قال : إنه لا يعتبر في الوضوء قصد الكون على الطهارة (١) حمل الأمر بالتطهير في آية الغسل على أن المراد منه نفس الأفعال لا المعنى الحاصل منها ويكون التطهير من قبيل الحكم والمصالح ، ويؤيد ذلك ما ورد في بعض الأخبار : من « أن الله تعالى إنما أمر بالوضوء ليكون العبد متطهرا بين يدي الله تعالى » (٢) فان الظاهر منه هو أن تكون الطهارة من الخواص والآثار المترتبة على أفعال الوضوء ، لا أنها من المسببات التوليدية ، وذكرنا ـ في مبحث الاشتغال ـ الفرق بين المسببات التوليدية والمقدمات الإعدادية ، وأن باب المصالح والمفاسد ليست من المسببات التوليدية ، بل إنما هي من الخواص والآثار المترتبة على متعلقات التكاليف ، فراجع ذلك المبحث ، فإنه قد استوفينا الكلام فيه بما لا مزيد عليه ، وغرضنا في المقام مجرد الإشارة ، فلا فائدة في تكرار الكلام في ذلك ، مع أنه أمامنا مباحث مهمة ينبغي صرف عنان الكلام فيها ، ولعل الله يوفقنا للتعرض إلى جملة مما يتعلق بلباس المشكوك من المباحث النفيسة التي أفادها شيخنا الأستاذ ( مد ظله ) ما لم تخطر ببال من سبقه من الأعلام.
وقد تحصل من جميع ما ذكرنا : أن دلالة قوله صلىاللهعليهوآله « رفع ما لا يعلمون » على ما هو محل البحث بين الأصوليين والأخباريين ـ وهو جواز الاقتحام في الشبهات التحريمية ـ في غاية الوضوح.
________________________
١ ـ أقول : لو قلنا في باب الوضوء : إنه من المطلوبات النفسية علاوة عن مطلوبيتها غيريا ـ كما قيل به في الغسل ـ فما أفيد من ابتناء النزاع في لزوم قصد الغاية وعدمه في غاية المتانة ، وحينئذ يكون الوضوء بنفسه عبادة وقعت مقدمة لعبادة أخرى. وأما لو قلنا بأنه ممحض في المطلوبية الغيرية وأن عباديته من جهة دعوة أمره الغيري إليه بلا أمر آخر نفسي فيه ، فربما يكون منشأ النزاع السابق شيء آخر ، وهو أن دعوة الأمر الغيري هل يمكن بلا قصد التوصل به إلى الغير؟ أو لا يمكن إلا مع القصد المزبور؟ فعلى الأول : لا يجب قصد الغاية ، بخلافه على الثاني ، فإنه لا يمكن الامتثال به إلا مع قصد الغاية ، حتى بناء على كون الوضوء مقدمة لا الكون على الطهارة ، فراجع المسألة في محله وتدبر.
٢ ـ الوسائل : الباب ١ من أبواب الوضوء الحديث ٩ ولفظ الحديث « إنما امر بالوضوء وبدئ به لأن يكون العبد طاهرا إذا قام بين يدي الجبّار ) الحديث.