التركيب من العلم ومتعلقه ليس على حد سائر الموضوعات المركبة من الأمور المتباينة كالصلاة ، فان المركب من الأمور المتباينة يقتضي أن يكون لكل من الأجزاء إحراز يخصه ، وقد يكون إحراز بعض الأجزاء متقدما زمانا أو رتبة على إحراز الجزء الآخر ، ولا يتوقف إحراز أحدها على إحراز البقية. نعم : الأثر يتوقف على إحراز الجميع ، إما بالوجدان ، وإما بالتعبد ، وهذا بخلاف الموضوع المركب من العلم ومتعلقه (١) فإنه لا يمكن أن يتعلق بكل من العلم والمتعلق إحراز يخصه ، إذ ليس للإحراز إحراز ولا يتعلق العلم بالعلم ، بل بنفس إحراز المتعلق يتحقق كلا جزئي المركب في زمان واحد وفي مرتبة واحدة ، ولا يعقل أن يتقدم إحراز المتعلق على إحراز الجزء الآخر ، وإحراز المتعلق ، إما أن يكون بالعلم الوجداني كما إذا علم وجدانا بالملكية فيجوز له الشهادة لصاحبها ـ بناء على أخذ العلم جزء لموضوع الشهادة ـ وإما أن يكون بالتعبد الشرعي بجعل ما يكون محرزا للمتعلق ، فيتحقق أيضا كلا الجزئين بنفس الجعل الشرعي كما كان يتحقق بالعلم الوجداني. وهذا إنما يستقيم بناء على بيناه : من أن المجعول في باب الطرق والأمارات نفس الوسطية في الإثبات والمحرزية للمتعلق ، فيتحقق كلا جزئي الموضوع بنفس هذا الجعل ، بلا حاجة إلى جعلين ولحاظين.
وأما لو بنينا على تعلق الجعل بالمؤدى : فهذا الجعل بنفسه لا يوجب تحقق كلا الجزئين ، إذ الإحراز لم يتحقق بهذا الجعل ، وبعد ذلك يستحيل أن يتحقق جزئه الآخر ، لما عرفت : من أن الموضوع المركب من الإحراز ومتعلقه
________________________
(١) أقول : هذا البيان صحيح على مبناك : من كون دليل الأمارة ناظرا إلى تتميم الكشف وجاعلا لإحراز الواقع تشريعا وادعاء ، وأما بناء على مسلك أستاذنا : من تنزيل المؤدى منزلة الواقع ، فلا يكون في البين جعل إحراز تشريعا ، وإنما الحاصل من التنزيل المزبور الإحراز الوجداني بالواقع التعبدي ، وهو جزء الموضوع ، فيحتاج جزئه الآخر إلى جعل آخر ، وهذا الجعل لا يفي به لولا دعوى الملازمة العرفية الممنوعة ، مع الإغماض عن الدور المزبور الذي اعترفت به ، كما أنك أيضا اعترفت بأن الإشكال يرد على تنزيل المؤدى ، فمرجع هذا الإشكال إلى الإشكال السابق عليه ، فلا حاجة إلى تكثيره.