الإمتثال الظني ، والمفروض عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات ، فكيف صارت النتيجة الحكومة؟.
وثالثاً : المقصود من ترتيب مقدمات دليل الانسداد إنما هو لاستنتاج حجية الظن المطلق على وجه يصلح لتخصيص العمومات وتقييد المطلقات وغير ذلك مما يكون من لوازم الحجة (١) وهذه الآثار إنما تترتب على الكشف ، لأن الظن يكون حينئذ حجة محرزا للواقع كالعلم. وأما الظن بمعنى الحكومة : فهو بمعزل عن هذه الآثار ، لأنه ليس محرزا للواقع حتى يصلح للتقييد والتخصيص ، وإنما يستقل العقل به في مقام الطاعة والامتثال عند تعذر الامتثال العلمي.
وما في بعض الكلمات : من أن الظن بناء على الحكومة يكون حجة عقلية ، فهو بمكان من الفساد ، فان الحكومة عبارة عن الامتثال الظني ، وأين هذا من كونه حجية محرزا يقع وسطا لإثبات متعلقه؟ وليس من وظيفة العقل جعل الظن حجة ، بل ذلك من وظيفة الشارع ، وليست وظيفة العقل إلا الحكم بكفاية الامتثال الظني عند تعذر الامتثال العلمي.
فتحصّل : أنه لا محيص عن القول بالكشف إن تم الإجماع المتقدم بأحد وجهيه (٢) وإلا فلابد من التبعيض في الاحتياط ، فتأمل في أطراف ما
________________________
١ ـ أقول : قد تقدم الجواب على هذه الشبهة ، فراجع.
٢ ـ أقول : لو تأملت في ما ذكرنا ، ترى بأنه لا محيص لك بناء على انتهاء النوبة إلى مثبتية الظن في حال الانسداد من الالتزام بحكومة العقل ، حيث لا طريق لك إلى الكشف إلا دعوى الإجماع المزبور الذي لم يلتزم به أحد من أرباب الانسداد القائلين بالحكومة ـ كما هو الغالب ـ خصوصا تقريبه الثاني الذي هو لدى مدعيه ظني لا قطعي.
نعم : لنا شبهة على مسلك المشهور المعينين المرجعية بالظن من جهة المقدمة الرابعة ، وملخصه ، أن هذا التعيين بحكم العقل إن كان بحكم تنجيزي ، فيشكل إخراج الظن القياسي ، خصوصا إذا فرض في مورد أقوى من غيره.
وتوهم : أن الظن القياسي لكثرة مخالفته للواقع خارج عن محط حكم العقل بمناط الأقربية ، خلاف الوجدان ، وفي ظرف أقربيته عن غيره يرى العقل شخص هذا الفرد من الظن من الأفراد النادرة ويرى فيه الملاك من الأقربية.