في الواقع مال الناس فليس عليه إلا تبعة التجري ، وأين هذا من باب التشريع؟ فإنه ليس للعقل فيه إلا حكم واحد بمناط واحد يعم صورة العلم والظن والشك. والحاصل : أن الأحكام العقلية قسمين : أحدهما : ما يكون للعقل حكم واحد بمناط واحد يعم صورة العلم والظن والشك ، ومن أوضح مصاديق هذا القسم حكمه بقبح التشريع. ثانيهما : ما يكون للعقل حكمان : حكم على الموضوع الواقعي الذي استقل بقبحه ، وحكم آخر طريقي على ما يشك أنه من مصاديق الموضوع الواقعي ، ومن أوضح مصاديق هذا القسم حكمه بقبح الظلم. وقد يقع الشك في بعض الأحكام العقلية أنه من أي القسمين؟ كحكمه بقبح الإقدام على الضرر ، فإنه يحتمل أن يكون الموضوع لحكم العقل بقبح الإقدام عليه هو الضرر الواقعي ، وله حكم آخر طريقي بقبح الإقدام على ما لا يأمن منه الوقوع في الضرر ، ويحتمل أن يكون الموضوع لحكم العقل مطلقا « ما لا يأمن منه الوقوع في الضرر » سواء في ذلك صورة العلم بالضرر أو الظن أو الشك ، كان في الواقع ضرر أو لم يكن. هذا ، ولكن ظاهر المحكى من تسالم الأصحاب على أن سلوك الطريق الذي يظن أو يقطع فيه الضرر والخطر يكون معصية ويجب إتمام الصلاة فيه ولو بعد انكشاف الخلاف وتبين عدم الضرر ، هو أن يكون قبح الضرر عندهم كقبح التشريع ليس للعقل فيه إلا حكم واحد ، إذ لو كان للعقل فيه حكمان ـ كباب الظلم ـ كان اللازم عدم وجوب إتمام الصلاة عند انكشاف الخلاف
________________________
بالموضوعية وبعده لا يفهم فرق بين الظلم والتشريع ، إذ في كل منهما يحكم العقل وجدانا بقبحه طابق الواقع أم خالف ، وحينئذ لا نفهم لهذا الحكم الطريقي مفهوما محصلا في باب الظلم دون غيره. نعم : يمكن أن يقال بمنع استقلال العقل بقبح ما هو مشكوك الظلم ، بل الذي يستقل هو قبح الظلم الواقعي عند إحراز ظلمه ، نظرا إلى دخل العلم في كلية المستقلات العقلية في حكمه بحسن أو قبح ، كما لا يخفى.