ولزوم الألغاز الذي يذكره شيخنا قدسسره كثيراً في مثل هذا ، يدفعه ما أسلفناه من جواز البيان للراوي وقت الحاجة.
نعم قد يشكل الحال بأنّ الراوي إذا بيّن له ذلك فكيف يجوز الإطلاق منه.
ويمكن الجواب بأنّه يجوز أن يكون الراوي ذكر ذلك في كتب الأُصول لكن لمّا تفرّقت الأخبار ، واضمحلّت الأُصول من أهل الضلال حصل في الأحكام مثل هذا الاختلال ، ومن هنا يعلم أنّ ما قاله شيخنا قدسسره : من أنّ الرواية مع ضعف سندها غير دالة على ما اعتبراه (١). محلّ تأمّل.
أمّا حمل الشهيد في الذكرى للخبرين على ما إذا أنشأ المكاري والجمّال سفراً غير صنعتهما قال رحمهالله : ويكون المراد بجدّ السير أن يكون مسيرهما متّصلاً كالحجّ والأسفار التي لا تصدق عليها صنعة (٢).
ففيه : أنّ الاحتمال ممكن كما أسلفناه (٣) من ظاهر التعليل في الأخبار السابقة ، إلاّ أنّ لفظ : « جدّ بهما السير » لا يطابق ما ذكره ؛ إذ مجرّد الخروج عن الصنعة يقتضي عدم لزوم الحكم التابع لها ، والفرق بين الأسفار المتّصلة وغيرها إنّما يصلح لو كان السفر في الصنعة ليصير وجهاً آخر للجمع ، ويراد حينئذ أنّ المكاري والجمّال إنّما يتمّان في السفر المعتاد ، أمّا لو خرجا عنه وحصلت المشقّة أمكن جواز القصر. وهذا يرجع إلى قول محمّد بن يعقوب لولا أنّه اعتبر الإتمام في المنزل ، وربما كان اعتبار الإتمام في المنزل لزوال المشقّة ، وعلى كل حال فكلام الشهيد رحمهالله لا يخلو من
__________________
(١) مدارك الأحكام ٤ : ٤٥٥.
(٢) الذكرى : ٢٥٨.
(٣) راجع ص : ١١٣٠.