كئيباً يفكر فيها ، فقال غلام له أسود : يا مولاي أخبرني ما أصابك لعل الله يسهل لك على يدي. فأخبره فقال له : انا أفسرها للملك ، فأعلمه فقال : أيها الملك شأن الله أن يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويشفي سقيماً ويسقم سليماً ويبتلي معافى ويعافي مبتلى ويعز ذليلاً ويذل عزيزاً ويفقر غنياً ويغني فقيراً. فقال الأمير : أحسنت ، وأمر الوزير أن يخلع عليه ثياب الوزارة. فقال : يا مولاي هذا من شأن الله.
وعن عبد الله بن طاهر أنه دعا الحسين بن الفضل وقال له : أشكلت علي ثلاث آيات دعوتك لتكشفها لي ، قوله تعالى « فأصبح من النادمين » وقد صح أن الندم توبة ، وقوله تعالى « كل يوم هو في شأن » وقد صح أن القلم قد جف بما هو كائن الى يوم القيامة ، وقوله تعالى « وأن ليس للانسان الا ما سعى » فما بال الاضعاف؟ فقال الحسين : يجوز أن لا يكون الندم توبة في تلك الأمة ويكون توبة في هذه الأمة ، لأن الله تعالى خص هذه الأمة بخصائص لم يشاركهم فيها الأمم ، وقيل ان ندم قابيل لم يكن على قتل هابيل ولكن على حمله. وأما قوله « وأن ليس للانسان الا ما سعى » فمعناه ليس له الا ما سعى عدلا ولى ان اجزيه بواحدة ألفاً فضلا ، وأما قوله « كل يوم هو في شأن » فأنها شؤون يبديها لاشؤون يبتدئها فقام عبدالله وقبل رأسه وسوغ خراجه.
* * *
سنفرغ لكم أيه الثقلان (٣١) فبأي آلاء ربكما تكذبان (٣٢).
( سنفرغ لكم ايه الثقلان ) قيل : هو وعيد من الله عزوجل للخلق بالمحاسبة ، وليس هو فراغ عن شغل ، لأن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن ، فهو كقول القائل لمن يريد تهديده : لأتفرغن لك ، وما به شغل. وهذا قول ابن عباس (١). والأحسن
__________________
١) تفسير الخازن ٤ / ٢٣٣.