بأن يكون قيام الخبر على وجوب فعل واقعا سببا شرعيّا لوجوبه ظاهرا على المكلّف ، فيصير المتعارضان من قبيل السببين المتزاحمين ، فيلغى أحدهما مع وجود وصف السببيّة فيه لإعمال الآخر ، كما في كلّ واجبين متزاحمين.
____________________________________
لكن هذا كلّه على تقدير أن يكون العمل بالخبر من باب السببيّة.
أي : إنّ الحكم بالتخيير في الخبرين المتعارضين من باب تزاحم الواجبين ، إنّما هو على تقدير كون الخبر حجّة من باب السببيّة ، بأن يكون قيام الخبر على وجوب شيء واقعا سببا لوجوبه ظاهرا على المكلّف ، وقد تقدّم في أوّل الكتاب أنّ السببيّة تتصوّر على ثلاثة وجوه :
أحدها : إنّ الأحكام الواقعيّة مختصّة بالعالمين بها ، والحكم الواقعي للجاهل هو مؤدّى الأمارة ، بمعنى حدوث مصلحة في المؤدّى بسبب قيام الأمارة ، وافقت الواقع أو خالفت.
ثانيها : إنّ الأحكام الواقعيّة وإن كانت مشتركة بين الكلّ إلّا أنّه إذا خالفت الأمارة للواقع ينقلب الحكم الواقعي إلى مؤدّى الأمارة بالنسبة إلى الجاهل ، بمعنى كون مصلحة مؤدّى الأمارة الحادثة بقيامها غالبة على مصلحة الواقع.
ثالثها : إنّ الأحكام الواقعيّة مشتركة بين الكلّ إلّا أنّه إذا خالفت الأمارة للواقع يجعل مؤدّاها حكما ظاهريا للجاهل لمصلحة في تطبيق العمل بالأمارة ، فيكون له في الواقعة الواحدة حكمان أحدهما واقعي شأني والآخر ظاهري فعلي.
وليس مراد المصنف قدسسره من السببيّة هي السببيّة بالمعنى الأوّل والثاني ، وذلك مضافا إلى بطلانهما لأجل التصويب. إنّ القائل بهما لا بدّ أن يقول بالتساقط في صورة التعارض لامتناع اجتماع حكمين في موضوع واحد ، كما هو مفاد المتعارضين.
ولذا جعلوا وقوع التعارض من وجوه الردّ على المصوّبة ، بل مراده المعنى الأخير الذي يجري في أدلّة الموضوعات أيضا ، كما في شرح الاعتمادي مع تصرّف ما.
وقد أشار إلى المعنى الأخير بقوله : بأن يكون قيام الخبر على وجوب فعل واقعا سببا شرعيّا لوجوبه ظاهرا على المكلّف ، فيصير المتعارضان من قبيل السببين المتزاحمين.
لأنّ أحدهما سبب للوجوب والآخر سبب لعدمه فيما إذا دلّ أحدهما على وجوب شيء والآخر على وجوب ذلك الشيء ، فيحصل التزاحم بينهما.