وأمّا ترك الإنائين المشتبهين في الطهارة ، فليس من دوران الأمر بين الواجب والحرام ، لأنّ الظاهر ـ كما ثبت في محلّه ـ أنّ حرمة الطهارة بالماء النجس تشريعيّة لا ذاتيّة. وإنّما منع عن الطهارة مع الاشتباه لأجل النصّ ، مع أنّه لو كانت ذاتيّة فوجه ترك الواجب ـ وهو الوضوء ـ ثبوت البدل له وهو التيمّم ، كما لو اشتبه إناء ذهب بغيره مع انحصار الماء في المشتبهين.
وبالجملة ، فالوضوء من جهة ثبوت البدل له لا يزاحم محرّما ، مع أنّ القائل بتغليب جانب الحرمة لا يقول بجواز المخالفة القطعيّة في الواجب لأجل تحصيل الموافقة القطعيّة في
____________________________________
الحيض ، ثمّ الحكم بوجوب العبادة فقط لانتفاء احتمال الحرمة على هذا الفرض.
وأمّا خروج المثال الثالث عن محلّ الكلام ، فلما تقدّم في المثال الأوّل من أنّ محلّ الكلام هو دوران الأمر بين الوجوب والحرمة الذاتيّين ، والحرمة في هذا المثال الثالث تشريعيّة لا ذاتيّة ؛ وذلك لأنّ الوضوء بالماء النجس حرام بالحرمة التشريعيّة ، فيكون مورد هذا المثال خارجا عن محلّ الكلام.
وثانيا : إنّ المثال خارج عن محلّ الكلام من جهة اخرى ، وهي : إنّ المثال ممّا يدور الأمر فيه بين الواجب والحرام ، وما نحن فيه ممّا يدور الأمر فيه بين الوجوب والحرمة.
وثالثا : لو أغمضنا عن الإيراد الأوّل وقلنا : إنّ الحرمة في مورد المثال ذاتيّة ، فالوجه لترك الواجب هو ثبوت البدل له ، ومن المعلوم أنّ ما ليس له بدل يقدّم على ما له بدل ، وتقديم الحرمة على الوجوب الذي يكون له بدل لا يدلّ على تقديمها عليه مطلقا.
ورابعا : (مع أنّ القائل بتغليب جانب الحرمة لا يقول بجواز المخالفة القطعيّة في الواجب لأجل تحصيل الموافقة القطعيّة في الحرام).
وهذا الجواب الرابع عن المثال الثالث يتّضح بعد بيان الفرق بين ما نحن فيه ، وبين مورد هذا المثال وهو :
إنّ العلم الإجمالي في المقام يكون بثبوت أحد الحكمين ، أي : إمّا الوجوب أو الحرمة ، فلا يمكن فيه تحقّق المخالفة القطعيّة ، كما لا يمكن تحقّق الموافقة القطعيّة.
وأمّا العلم الإجمالي في المثال فيكون بثبوت كليهما ، ولذا يمكن فيه تحقّق المخالفة القطعيّة ، كما يمكن تحقّق الموافقة القطعيّة ، وحينئذ يكون تقديم جانب الحرمة في المقام