لأنّ عدم استحقاق العقاب ليس من آثار عدم الوجوب والحرمة الواقعيّين حتى يحتاج إلى إحرازهما بالاستصحاب ، بل يكفي فيه عدم العلم بهما ، فمجرّد الشكّ فيهما كاف في عدم استحقاق العقاب القاطع ، وقد أشرنا إلى ذلك عند التمسّك في حرمة العمل بالظنّ بأصالة عدم حجّيّته ، وقلنا : إنّ الشكّ في حجّيّته كاف في التحريم ، فلا يحتاج إلى إحراز عدمها بالأصل.
وإن قصد به نفي الآثار المترتّبة على الوجوب النفسي المستقلّ ، فأصالة عدم هذا الوجوب في الأكثر معارضة بأصالة عدمه في الأقلّ ، فلا يبقى لهذا الأصل فائدة إلّا في نفي ما عدى العقاب من الآثار المترتّبة على مطلق الوجوب الشامل للنفسي والغيري.
____________________________________
وتوضيحه يتوقف على بيان مقدّمة مشتملة على سؤال ، بأن يقال : ما هو المقصود من استصحاب عدم وجوب الأكثر ، هل هو عدم استحقاق العقاب على تركه؟ أو أنّ المقصود من الاستصحاب نفي الآثار المترتّبة على الوجوب النفسي؟ أو أنّ المقصود من الاستصحاب نفي الآثار المترتّبة على مطلق الوجوب الجامع بين النفسي والغيري؟.
فإن قصد من الاستصحاب الأوّل وهو نفي استحقاق العقاب ، فيردّ عليه :
أوّلا : إنّ استحقاق العقاب ليس من الآثار الشرعيّة لكي يترتّب عدمه على المستصحب ، مع أنّ اعتبار الاستصحاب مشروط بأن يكون نفس المستصحب حكما شرعيّا ، أو يكون ما يترتّب عليه من الآثار الشرعيّة.
وثانيا : إنّ الشكّ في الوجوب كاف في نفي استحقاق العقاب ، فلا حاجة إلى إحراز عدم الوجوب حتى يجري فيه استصحاب عدم الوجوب لإحراز عدمه ، كما أشار إليه قدسسره بقوله : (لأنّ عدم استحقاق العقاب ليس من آثار عدم الوجوب) ، إلى أن قال : (بل يكفي فيه عدم العلم بهما) ، أي : بالوجوب والحرمة الواقعيين.
وإن قصد منه الثاني وهو نفي الآثار المترتّبة على الوجوب النفسي ، فيردّ عليه : إنّ أصالة عدم وجوب الأكثر المترتّب على الوجوب النفسي تكون معارضة بأصالة عدم وجوب الأقلّ كذلك ؛ لعدم العلم بوجوبه النفسي ، فتجري فيه أصالة عدم وجوبه النفسي ، وحينئذ يقع التعارض بين الاستصحابين ، وبه تبطل دعوى أنّ أصالة عدم وجوب الأكثر سليمة عن المعارضة.