ألف آية وآية (كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ
مَرَّةٍ) أبدا لا يؤمنون بمحمد في حال من الأحوال حقدا وعنادا ،
وموقفهم معه بعد أن يأتيهم بالمعجزات تماما كموقفهم من قبل (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ
يَعْمَهُونَ) اختاروا لأنفسهم العمى والضلال ، فهم وما يختارون في
الحياة الدنيا ، ولهم في الآخرة سوء العذاب.
١١١ ـ (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ
الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ
قُبُلاً) مقابلة وجها لوجه (ما كانُوا
لِيُؤْمِنُوا) تصوير ليس له من نظير : الموتى بالكامل يخرجون من بطن
الأرض وجميع الملائكة ينزلون من السماء ومعهم الكواكب والطيور بشتى أنواعها ، وكل
الأسماك وجميع الأحياء في الأنهار والبحار تخرج إلى اليابسة ومعها كل الحشرات وكذا
الرمال والأحجار والتراب والأشجار ، وغير ذلك من الكائنات والمخلوقات ، وكلها تقول
بصوت واحد : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ومع هذا وفوق هذا لا تلين قلوب
المعاندين حتى كأن لم يكن شيء!. ولما ذا؟ لسبب واضح وبسيط ، وهو أن قلوبهم وعقولهم
وعواطفهم وميولهم استحالت بكاملها إلى الحرص على مصالحهم الشخصية ومنافعهم الذاتية
، ومن أجل هذا لا يجدي معهم أي منطق أو أية لغة إلا لغة القوة التي أشار إليها
سبحانه بقوله : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ
اللهُ) إكراههم وقسرهم (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ
يَجْهَلُونَ) أنهم القوم الطاغون الذين لا يستمعون إلا للغة السيف
والقوة.
١١٢ ـ (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ
عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) كل من يغري الناس بالباطل على أنه حق فهو من شياطين الإنس
، أما شيطان الجن فهو من غيب الله ، ونؤمن به لأن النص أثبته والعقل لا ينفيه (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ
الْقَوْلِ غُرُوراً) أي إغراء بالرذائل والقبائح ، وزخرف القول كلام ظاهره
الرحمة وباطنه العذاب (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ) يا محمد لردعهم بالقوة (ما فَعَلُوهُ) أي ما فعلوا شيئا يغضب الله سبحانه.
١١٣ ـ (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ
الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي يوحى الأشرار بعضهم إلى بعض زخرف القول ليستمع إليه
الكفار (وَلِيَرْضَوْهُ) بعد الاستماع إليه (وَلِيَقْتَرِفُوا ما
هُمْ مُقْتَرِفُونَ) من المعاصي والآثام.
١١٤ ـ (أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً) قل لهم يا محمد : هل أطلب غير الله حاكما يحكم بيني وبينكم
، ويميز المحق منا من المبطل؟ (وَهُوَ الَّذِي
أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً) مبينا فيه الحلال والحرام والكفر والإيمان والشهادة لي
بالصدق وعليكم بالكذب والافتراء (وَالَّذِينَ
آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ) تقدم في الآية ١٤٦ من سورة البقرة. (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) لا تشكن يا محمد أن أهل الكتاب يعلمون أن القرآن حق وأنك
محق في رسالتك.
١١٥ ـ (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) وكلمته تعالى دينه وقرآنه (صِدْقاً) في جميع أقواله (وَعَدْلاً) في جميع أفعاله (لا مُبَدِّلَ
لِكَلِماتِهِ) لأنها تقول للشيء «كن فيكون» (وَهُوَ السَّمِيعُ) لما يقولون (الْعَلِيمُ) بما