إرشاديّا محضا ، وعلى نحو ما لو كان الآمر في المثال عبدا وما لو كان الآمر طبيبا وقال للمريض : اشرب اللّبن أو الدّواء الفلاني. ومن المعلوم أنّا إذا راجعنا إلى أنفسنا لا نذعن بأن الأمرين نشئا بملاك واحد ، كما أن الثّاني نشأ بملاك المولويّة كذلك الأوّل وإن كانا مختلفين في النّفسيّة والغيريّة ولا يقتضي عدم كون الأوّل نفسيّا أن يكون إرشادى ، بل يكون مولويّا غيريّا ، بمعنى أنّه لما التفت إلى أن اشتراء اللّحم لا يكاد يوجد إلّا بدخول السّوق فلذا بعث نحوه مولويّا تبعا لبعثه إلى اشتراء اللّحم.
وبالجملة لا يكون المدعى ثبوت الملازمة بين وجوب المقدّمة وذيها تفصيلا ، ضرورة اعتبارها كذلك ربّما لا يلتفت الآمر إلى أن لمطلوبه مقدّمة أو مقدّمات فضلا عن أن يأمر بها ويبعث نحوها ، بل ثبوت الملازمة إجمالا وعلى وجه الارتكاز بمعنى أنه لو التفت إلى أن لمطلوبه مقدّمة أو مقدّمات وأنّه لا يكاد يوجد بدونها يحدث له طلب آخر نحوها تبعا وتطفلا ، فإيجابها إجمالي ارتكازي ، وتفصيله متوقف على الالتفات إليها وإلى أنّها ممّا يتوقف عليه الواجب ، وهذا المعنى الإجمالي الارتكازي موجود في الكلّ ، لأنّه لو صحّ في بعض المقدّمات كما في المثال المذكور صحّ في غيره لوجود ملاكه ومناطه في الكلّ على حدّ سواء ، فالتّفصيل بين أقسامها بإيجاب السّبب دون غيره كما عن بعض ، أو بإيجاب الشّرط الشّرعي دون غيره كما عن آخر فاسد ، لما أسلفنا وسيأتي له مزيد تحقيق إن شاء الله.
ولا بأس بذكر ما استدل به على وجوب المقدّمة أبو الحسن البصري وبيان ما يرد عليه فإنه كالأصل لسائر الاستدلالات الّتي ذكرها الأفاضل ، حيث إنّهم ذكروه مع عدم تغيير له ، أو مع تغيير له يوجب إصلاح ما فيه من الخلل بحسب