أن يكون لها تقرر مع قطع النظر عن الاستعمال ، كحروف وهيئات التمني والترجي والنداء والاستفهام والطلب بأنواعه والنهي والإضراب ونحوها ، فكما يكون هناك أمر نفسي يطابق هذه الأمور أو يقاربها يكون لها وجود كلامي بأدواتها المعهودة ، وليس الأمر النفسي المذكور محكيا بهذه الحروف على نحو حكاية المعنى باللفظ الموضوع له ـ الذي يكون المعنى مدلوله المطابقي اصطلاحا ـ بل هو داع لإيجاد مضامينها في عالم التلفظ والكلام. كما أنه قد يكون داعيا لوجودها في عالم الإشارة ، كما لو حرك المستفهم بيده مثلا بداعي الاستفهام.
ولذا لا يلزم الكذب من الإتيان بها لإيهام تحقق ما يناسبها في النفس مع عدم تحققه ، كما لا يكون الإتيان بها بداع آخر ـ كالاستفهام بداعي التوبيخ أو التقرير ـ بقرينة مجازا.
وعليه لا يكون المراد بوضع هذه الحروف للمعاني المذكورة هو الحكاية بها عن هذه المعاني ، نظير وضع الأسماء لمسمياتها ، بل إيجادها في عالم الكلام والبيان بها ، نظير وضع المطرقة للطرق ، والسكين للقطع ، والسيارة للنقل ، غايته أن وضع هذه الأدوات للأغراض المذكورة لمناسبة طبيعية بينها وبين تلك الأغراض ، ووضع هذه الحروف لهذه المعاني ناشئ من تعارف استعمالها فيها ، من دون ملاحظة سبب طبيعي بينها. ومن ثم حسن تسمية هذه الحروف بالأدوات ، ولم يعهد منهم إطلاق الأداة على الاسم.
ويلحق بالحروف المذكورة في ذلك لام التعريف والضمائر وأسماء الإشارة والموصول ونحوها ، فإنها أدوات لإحداث نحو من الإشارة ، غايته أنها إما أن تتضمن الإشارة للشيء بنفسه ـ كما في أسماء الإشارة ـ أو من حيثية معهوديته في الذهن ـ كما في لام التعريف والضمائر ـ أو من حيثية بعض ما يتعلق به ـ كما في الموصول ـ فإن الإشارة في الجميع لا تقرر لها مع قطع