إلا أن الظاهر عدم اختصاص ملاك الكلام وثمرته بذلك ، بل يجري بلحاظ الداعوية المذكورة حتى بناء على عدم الملازمة. نعم حيث كان موضوع كلامهم الوجوب ، فالمناسب منا متابعتهم في ذلك محافظة على نسق الكلام في عرض الحجج والأقوال. ومنه يستفاد تحديد موضوع الداعوية ، لأن الظاهر تبعية الوجوب ـ بناء على الملازمة ـ للداعوية المذكورة سعة وضيقا ، كما يظهر مما سبق في تقريب الاستدلال على الملازمة بالوجدان.
إذا عرفت هذا فقد أطلق القدماء وجماعة من المتأخرين وجوب المقدمة ، بل صرح بعموم الوجوب لمطلق المقدمة المحقق الخراساني قدسسره ، بدعوى : أنه ليس الغرض منها إلا سدّ عدم ذي المقدمة من جهتها بحصول ما لولاه لما أمكن حصوله ، ولا يفرق في ذلك بين أفرادها. وقد ظهر في العصور القريبة تفصيلان.
التفصيل الأول : ما يظهر من التقريرات ـ على اضطراب في كلامه ـ من أن الواجب منها خصوص ما يؤتى به بقصد التوصل لذي المقدمة ، وإن كان الغرض منها ـ وهو التوصل لذي المقدمة ـ يحصل بغيره أيضا. ومن ثم صرح بعدم ظهور أثر النزاع في المقدمات غير العبادية بسبب إجزاء الفعل المأتي به لا بقصد التوصل ، وتحقق الغرض به ، وهو التوصل لذي المقدمة.
ثم قال : «نعم يظهر الثمرة من جهة بقاء الفعل المقدمي على حكمه السابق ، فلو قلنا بعدم اعتبار قصد الغير في وقوع المقدمة على صفة الوجوب لا يحرم الدخول في ملك الغير إذا كانت [كان. ظ] مقدمة لإنقاذ غريق ، بل يقع واجبا ، سواء ترتب عليه الغير أو لا ، وإن قلنا باعتباره في وقوعها على صفة الوجوب ، فيحرم الدخول ما لم يكن قاصدا لإنقاذ الغريق».
وقد استدل على ما ذكره بالوجدان على عدم تحقق امتثال الأمر الغيري إلا مع قصد التوصل بالمقدمة لذيها.