الإشارات : ومنها الآراء المسماة بالمحمودة ، وربما خصصناها باسم الشهرة ، إذ لا عمدة لها إلا الشهرة. وهي آراء لو خلي الإنسان وعقله المجرد ووهمه وحسّه ولم يؤدب بقبول قضاياها والاعتراف بها ... لم يقض بها الإنسان طاعة لعقله أو وهمه أو حسّه. مثل حكمنا بأن سلب مال الإنسان قبيح وأن الكذب قبيح لا ينبغي أن يقدم عليه. وهكذا وافقه شارحها العظيم الخواجة نصير الدين الطوسي».
وهو كما ترى! لوضوح أن مدح العقلاء وذمهم على الأفعال ليس اعتباطا ، بل لإدراكهم أمرا فيها يقتضي فعلها أو تركها ، تكون الداعوية العقلية إليه متفرعة عليه تفرع الحكم على الموضوع. وذلك الأمر هو الحسن والقبح ، وهو متقدم رتبة على إدراكهم له ، فضلا عن داعويتهم على مقتضاه. ولذا يصح أن يقال : ينبغي الصدق ولا ينبغي الكذب ، لأن الصدق حسن والكذب قبيح.
وعلى هذا يتفرع ما ذكرناه آنفا من أن طروء الجهات المزاحمة للحسن والقبح لا يخرج الحسن عن حسنه والقبيح عن قبحه ، بل يسقطهما عن الداعوية العقلية لو لم يكونا أهم من المزاحم. أما لو تم ما ذكره من أن الحسن والقبح عبارة عن نفس حكم العقلاء المذكور وحكمهم باستحقاق المدح والذم لزم تأثير المزاحم فيهما ورفعه لهما ، بل يخرج عن كونه مزاحما ، ويكون من قيود الموضوع.
وأما الاستشهاد بقول العلمين المذكورين فلا مصحح له إلا الشهرة. على أنه قد يكون مرادهما أن الشهرة هي العمدة في إثبات الحسن والقبح واستيضاحهما ، لا في ثبوتهما ، فلا ينافي ما ذكرنا ، كما قد يناسبه أن المحقق الطوسي ذكر أنه مع طروء الجهات المزاحمة يجوز ارتكاب أقل القبيحين لظهوره في المفروغية عن ثبوت قبح الأضعف مع المزاحمة ، وإن لم يستتبع الداعوية العقلية لتركه.