اللغة بالنحو الذي يتحقق معه الوضع ، بل كلما كانت مخترعة للمستعمل مبتدعة له كان مجلّيا. ويمنع من الثالث ما سبق من عدم ثبوت واضع خاص في ألفاظ المفاهيم العامة التي بها تقوم اللغة ، وعدم تصدي الواضع في خصوص بعض الموارد ـ كالأعلام الشخصية والماهيات المخترعة ـ للترخيص المذكور. بل ليس المدار في المجاز إلا على طبع المستعملين وأذواقهم. ولذا اشترك في كثير من العلاقات المجازية أهل اللغات المختلفة.
نعم ، بناء على ابتناء الاستعمالات المجازية على ادعاء دخول مورد الاستعمال في المعنى الموضوع له ـ كما عن السكاكي ـ تكون الاستعمالات المجازية مبتنية على الوضع ، لا خروجا عنه ، ويكون الطبع مصححا للادعاء المذكور ، لا للاستعمال ، ويخرج عن محل الكلام.
ومنها : استعمال اللفظ وإرادة اللفظ دون المعنى في مثل قولنا : (ضرب فعل ماض) و(من حرف جر). فإنه لا يبتني على وضعه لذلك ، ولا على استعماله فيه مجازا ، لعدم العلاقة المصححة لذلك ، بل على محض الجري على مقتضى الطبع. وإن كان الوقت يضيق عن تحقيق حاله وتفصيله.
نعم ، لا إشكال في أن الاستعمالات المذكورة في الموردين على خلاف مقتضى الأصل المعول عليه عند العقلاء وأهل البيان ، فتحتاج إلى القرينة ، وبدونها يحمل استعمال اللفظ على إرادة معناه الموضوع له ، لأنه مقتضى الطبع الأولي ، الذي يجري عليه البيان في تفهيم المقاصد وفهمها بمقتضى سيرة أهل اللسان وارتكازياتهم.
الأمر الخامس : في علامات الحقيقة
حيث عرفت حقيقة الوضع ثبوتا يقع الكلام في طريق إحرازه إثباتا. ولا يراد به إحرازه بالحجة ظاهرا الذي يكفي في مقام العمل ، لأن ذلك من المقاصد