فقاعدة الاشتغال ، وأن لم يمكن كدوران الأمر بين المحذورين ، فالتخيير.
أن قلت : لم
خصّ بحث التعادل والترجيح بالخاتمة؟ والحال أن ساير الاصول التي هي من المقاصد
تذكر في المقصد الثالث ، وهي أيضا من المقاصد ، لأن علم الاصول هو البحث عن أحوال
ادلة الاحكام الشرعية ومداركها.
ومن هنا يظهر :
أنّه من مسائل العلم لا من مباديه ، ولا من مسائل علم آخر ، لأنّ التعارض من
العوارض الذاتية لموضوعه ، اعني الدليل ومسائل كل علّم ما يبحث فيها عن عوارض
موضوعه الذاتية كخبر الواحد ، بأنّه حجّة أم لا؟ أو الظاهر يوقن بظهوره أم لا؟ وكذا التعادل والترجيح
فأنّها أيضا من العوارض الذاتية للدّليل ولو بالوسائط ، لأنّ التعادل حال من احوال
الادلة المتعارضة ، فهو عارض لما هو عارض للدليل ، والبحث عن عوارض الموضوع بلا
واسطة اذا لم تكن غريبا ، أو معها داخل في مسائل علم الأصول.
قلنا : الترجيح
والتخيير فرع الدّلالة والحجية ، لأنّ القوم لمّا فرغوا عن الدلالة والحجية ،
شرعوا في بيان تعارضهما ولذا جعله غير واحد منهم صاحب المعالم قدة خاتمة له ،
ولأنّه لمّا كان الكلام في معرفة خصوص ما لهما من الاحكام بملاحظة ما يعرضهما من
الحالتين ، ذكرت تحت عنوان الخاتمة.
وبعد تمهيد هذه
المقدّمة ، فلنشرع في معنى التعادل والترجيح بحول الله تعالى وقوّته ومستمدا ممّن
نحن في جواره وخدمته صلوات الله وسلامه عليه.
فنقول :
التعادل والترجيح كلاهما مصدران من باب التفاعل والتفعيل.
أما التعادل :
فهو لفظ مفرد مشتق من العدل بالكسر ، وهو المثل فيكون بمعنى التماثل ، فالتعادل في
الأصل تساوي طرفي العدل كحمل البعير مثلا ، وبالفارسيّة «هم لنگه وهم تراز».
والمراد به في
باب الأدلّة هو تساوي الدليلين المتعارضين وعدم مزية