صاحب الصواع ، فإنك لا ينفعك توبتك ولا يزول عنك حوبتك ، واقتصر على ما شرع ، واتبع ولا تبتدع ، وكن مع الله في كل حال ، تحمد العاقبة والمآل.
(وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٣٢)
«وما الحياة الدنيا إلا لهو ولعب» ما أمحن باطن الدنيا ، مساكنها خراب ، وملابسها خرق ، ومناكحها ومراكبها جيف ، ومطاعمها ومشاربها عذرتان ، وليت لو وقف الحال هنا ، ولا يبقى على الإنسان تبعات ذلك في الدار الآخرة ، حين يسأل ، ممن كسبت؟ وفيم أنفقت؟ يسأل عن الفتيل والقطمير ، بل في مثقال ذرة ، الحجة علينا في هذا بينة ، لأنه لو كان خبرا كان بعض عذر ، وإنما هو معاين منا لتغير هذه الأحوال مشاهدة ، والداء العضال والطامة الكبرى والداهية العظمى ، أن النفس في أشر ما تكون فيه من هذه الأحوال ، إن قضى لها به ويعطيها الله مرادها كما شاءت ، تسلب عنه وعن هذه الدار بالموت ، وينقل إلى منزل لا يجد فيه شيئا إلا ما قدمته في دنياها بعمل صالح عملته (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ).
(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٣٣) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤) وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٣٥)
النفق والنفقاء هو الجحر الذي له بابان. (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ) يقول : إن طلبك الأعداء من جانب خرجت من الجانب الآخر طلبا للسلامة (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) فجاء بحرف لو وهو حرف امتناع لامتناع فنكون من أهل باب واحد ،