على جبريل ، فقال : يا محمد ، إنما جيء بي إليك لأكون خادم دولتك وصاحب حاشيتك ، وجيء بالمركب إليك لإظهار كرامتك ، لأن الملوك من عاداتهم إذا استزاروا حبيبا ، أو استدعوا قريبا ، وأرادوا ظهور كرامتهم واحترامهم ، أرسلوا أخص خدامهم وأعز دوابهم لنقل أقدامهم ، فجئناك على رسم عادة الملوك وآداب السلوك ، ومن اعتقد أنه سبحانه وتعالى يوصل إليه بالخطا وقع في الخطا ، ومن ظن أنه محجوب بالغطاء فقد حرم العطاء ، يا محمد ، إن الملأ الأعلى في انتظارك ، والجنان قد فتحت أبوابها وزخرفت رحابها وتزينت أترابها وروق شرابها ، كل ذلك فرحا بقدومك وسرورا بورودك ، والليلة ليلتك والدولة دولتك ، وأنا منذ خلقت منتظر هذه الليلة ، وقد جعلتك الوسيلة في حاجة قلّت فيها حيلتي ، وانقطعت وسيلتي ، فأنا فيها حائر العقل ، ذاهل الفكر داهش السر ، مشغول البال زائد البلبال ، يا محمد ، حيرتي أوقفتني في ميادين أزله وأبده ، فجلت في الميدان الأول فما وجدت له أول ، وملت إلى الميدان الآخر فإذا هو في الآخر أول ، فطلبت رفيقا إلى ذلك الرفيق فتلقاني ميكائيل في الطريق ، فقال لي : إلى أين؟ الطريق مسدودة والأبواب دونه مردودة ، لا يوصل إليه بالأزمان المعدودة ، ولا يوجد في الأماكن المحدودة ، قلت : فما وقوفك في هذا المقام؟ قال : شغلني بمكاييل البحار وإنزال الأمطار ، وإرسالها في سائر الأقطار ، فأعرف كما أجاجها مددا ، وكم تقذف أمواجها زبدا ، ولا أعرف للأحدية أمدا ، ولا للفردية عددا ، قلت : فأين إسرافيل؟ قال : ذلك أدخل في مكتب التعليم ، يصافح بصفحة وجهه اللوح المحفوظ ، ويستنسخ منه ما هو مبروم ومنقوض ، ثم يقرأ على صبيان التعليم ـ في مثال ـ ذلك تقدير العزيز العليم ، ثم هو في زمن تعلمه لا يرفع رأسه حياء من معلمه ، فطرفه عن النظر مقصور ، وقلبه عن الفكر محصور ، فهو كذلك إلى يوم ينفخ في الصور ، قلت : فهلم نسأل العرش ونستهديه ، ونستنسخ منه ما علمه ونستمليه ، فلما سمع العرش ما نحن فيه اهتز طربا ، وقال : لا تحرك به لسانك ولا تحدث به جنانك ، فهذا سر لا يكشفه حجاب ، وستر لا يفتح دونه باب ، وسؤال ليس له جواب ، ومن أنا في البين حتى أعرف له أين؟ وما أنا إلا مخلوق من حرفين ، وبالأمس كنت لا أثر ولا عين ، من كان بالأمس عدما مفقودا ، كيف يعرف رؤية من لم يزل موجودا ، ولا والدا ولا مولودا ، وهو سبقني بالاستواء ، وقهرني بالاستيلاء ، فلو لا استواؤه لما استويت ، ولو لا استيلاؤه لما اهتديت ، استوى إلى