إلى أن الفعل لله من خلف حجاب الأكوان التي هي محل ظهور الأفعال فيها (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ) يريد أسماء الاعلام وذلك في معرض الدلالة فإذا سموهم قالوا هذا حجر ، هذا شجر ، هذا كوكب والكل اسم عبد فيذكرونهم بأسمائهم المخالفة أسماء الله فقال تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم (قُلْ سَمُّوهُمْ) فتعرفوا عند ذلك الحق بيد من هو؟ هل هو بأيديكم أو بيدي؟ وقد قال الحق تعالى وأبان ذلك كله ليعقل عنه (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) فلما عرفوا قوله وتحققوه علموا أنهم في فضيحة لأنهم إذا سموهم لم يسموهم بالله بل آباؤكم نصبوهم آلهة ، وهذا الإله الذي أدعوكم إليه تعرفونه وأن اسمه الله لا تنكرونه ، وأنتم القائلون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ثم وصفهم الله بأنهم في شركهم قد ضلوا ضلالا مبينا فقال : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) فما له من هاد معناه موفق ، لأنهم أوقعوا أنفسهم في الحيرة لكونهم عبدوا ما نحتوا بأيديهم وعلموا أنه لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنهم من الله شيئا ، فهي شهادة من الله بقصور نظرهم وعقولهم.
(لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ (٣٤) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ) (٣٥)
(مَثَلُ الْجَنَّةِ) أي صفة الجنة التي وعد المتقون (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها) فإن الآخرة دار بقاء ، فالإنسان في بقائه آكل لا صائم ، فهو متغذ بالذات صائم بالعرض فالغذاء باق فأكلها دائم لا ينقطع والدوام في الأكل إنما هو عين النعيم بما يكون به الغذاء للجسم فأهل الجنة يأكلون ويشربون عن شهوة لالتذاذ لا عن جوع فإنهم ما يتناولون الشيء المسمى غذاء إلا عن علم بأن الزمان قد حان (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) فلا يزال في لذة ونعيم لا يحوج الطبيعة إلى طلب وحاجة للكشف الذي هم عليه بخلاف أهل النار فإنهم يجوعون ويظمئون لأن المقصود منهم أن يتألموا.
(وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ