قبل كونه المتفضل به عليه عند إيجاده إياه وتعلق خطابه به ، فالموفقون لما أوجدهم الحق تعالى في أعيانهم بصفة الجود وأبرزهم في الوجود ، تولاهم بلطفه فحققهم بحقائق التوفيق ، وبيّن لهم الطريق الموصل إليه كما بيّنه لأنبيائه بواسطة ملائكته ولأوليائه بواسطة أنبيائه ولملائكته بالجبلة التي أوجدهم عليها ، فاهتدوا على أوضح منهاج ، وعرجوا على أنجح معراج ، فما زال التوفيق يصحبهم في كل حال ، ويقودهم إلى كل عمل مقرب إلى الله تعالى من أعمال القلوب والنفوس والمعاملات المتوجهة على الحواس ، حتى انته بهم فوق الهمم وأنزلهم في حضرة الجود والكرم ، فغرقوا في بحار المنن والآلاء ، من نعيم جنان ومضاهاة استواء ، على قدر ما أراد تعالى أن يمنحهم من نعماه ، وأن يهبهم من رحماه ، فعاينوا عند ذلك تولي الحق لهم في ذلك ، ولم يكونوا شيئا مذكورا ، ثم استصحاب التولي لهم في محال الدعاوى بتقديسهم عنها ، فالتوفيق قائد إلى كل فضيلة وهاد إلى كل صفة منجية وجالب كل خلق رضي ، يجلو البصائر ويصلح السرائر ويخلص الضمائر ، ويفتح أقفال القلوب ويزيل ريونها ، ويخرجها عن أكنتها ويهبها أسرار وجودها ويعرفها بما تجهله من جلال معبودها ، هو الباعث المحرك لطلب الاستقامة والهادي إلى طريق السلامة ، ما اتصف به عبد إلا اهتدى وهدى ، ولا فقده شخص إلا تردى وأردى ، فنعوذ بالله من الخلاف ، والتوفيق له مبدأ وموسط وغاية ، فمبدؤه يعطيك الإسلام وموسطه يعطيك الإيمان وغايته تعطيك الإحسان ، فالإسلام يحفظ الدماء والأموال ، والإيمان يحفظ النفوس من ظلم الضلال والإضلال ، والإحسان يحفظ الأرواح من رؤية الأغيار ، ويهبها المراقبة والحياء على الكمال ، فمن دعا لك بالتوفيق في جميع الأحوال فما ترك شيئا من الخير إلا أعطاك إياه ، والتوفيق مبدؤه يعطيك العلم والعمل ، ووسطه يطهر ذاتك من دنس الأغراض والعلل ، وغايته تمنحك أسرار الوجود والأزل ، وليس وراء الله مؤمل يؤمل. والتوفيق على قسمين في أصله : عام وخاص ، فالعام هو الذي يشترك فيه جميع الناس كافة من المسلمين وغيرهم وهو على ضربين : منه ما يوافق الحكمة بما هي حكمة ، ومنه ما يوافق الأغراض ، والخاص هو الذي يخرجك من الظلمات إلى النور ، وينتهي بك إلى السعادة الأبدية على مراتبها ، وإن دخل النار ، وهذا أيضا عام وخاص : فالعام كالإيمان بالله ورسوله وما جاء به ، والخاص كالعمل بالعلم المشروع ، وهو أيضا عام وخاص : فالعام كأداء الفرائض ، والخاص هو الذي يؤديك