الماضية ، ومن هلك من الأمم السالفة ، ولما كان المقصود من الجهاد إعلاء كلمة الله ، في الأماكن التي يعلو فيها ذكر غير الله ، ممن يعبد من دون الله ، جعل النبي صلىاللهعليهوسلم سياحة هذه الأمة الجهاد ، فإن الأرض وإن لم يكفر عليها ولا ذكر الله فيها أحد من البشر ، فهي أقل حزنا وهما من الأرض التي عبد غير الله فيها وكفر عليها ، وهي أرض المشركين والكفار ، فكانت السياحة بالجهاد أفضل من السياحة بغير الجهاد ، ولكن بشرط أن يذكر الله عليها ولا بد ، فإن ذكر الله في الجهاد أفضل من لقاء العدو ، فيضرب المؤمنون رقابهم ، ويضرب الكفار رقاب المؤمنين. وأما السياحة بالجولان في الأرض على طريق الاعتبار والقربة إلى الله ، لما في الأنس بالخلق من الوحشة ، فالسايحون من عباد الله يشاهدون من آيات الله ، ومن خرق العوائد ما يزيدهم قوة في إيمانهم ونفسهم ومعرفتهم بالله ، وأنسا به ورحمة بخلقه ، وشفقة عليهم ، فيفتح لهم في بواطنهم في علوم إلهية لا ينالونها إلا في هذه المشاهدة ، وما يحصل لهم من خرق العوائد والاعتبار ، فهم يرون في الأرض من الآيات والعجائب والاعتبارات ما دعاهم إلى النظر فيما ينبغي لمالك الأرض ، فأنار الله قلوبهم بأنوار العلوم ، وفتح لهم في النظر في الآيات ، وهي العلامات الدالة على عظمة من انقطعوا إليه وهو الله تعالى. (الرَّاكِعُونَ) من رجال ونساء ، هم الذين وصفهم الله بالركوع ، وهو الخضوع والتواضع لله تعالى من حيث هويته سبحانه ، ولعزته وكبريائه حيث ظهر من العالم ، لعلمهم بأنها صفة الحق ، لا صفة من تلبس بها ، فركعوا للصفة لا للعين ، ومن هنا تواضع العارفون للجبارين والمتكبرين من العالم للصفة لا لعينهم إذ كان الحق هو مشهودهم في كل شيء. (السَّاجِدُونَ) من الرجال والنساء ، تولاهم الله بسجود القلوب ، فهم لا يرفعون رؤوسهم ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وهو حال القربة وصفة المقربين قال تعالى : (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) وقال تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) يريد الذين لا يرفعون رؤوسهم ، ولا يكون ذلك إلا في سجود القلب. (الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) من رجال ونساء ، هم الذين تولاهم الله بالأمر بالله ، إذ كان هو المعروف ، فلا فرق أن تقول الآمرون بالله أو الآمرون بالمعروف ، فهو المعروف الذي لا ينكر بلا خلاف في جميع الملل والنحل والعقول ، فالآمرون بالمعروف هم الآمرون على الحقيقة بالله ، فإنه سبحانه إذا أحب عبده كان لسانه الذي يتكلم به ، والأمر من أقسام الكلام ، فهم الآمرون به لأنه لسانهم ،