في البلاء ، وأدنى المكر فيه أن يرى نفسه مستحقا لتلك النعمة ، وأنها من أجله خلقت ، فإن الله ليس بمحتاج إليها ، فهي له بحكم الاستحقاق ، ويغيب عن أن الأشياء إنما خلقت له تعالى ، لتسبح بحمده ، وكان انتفاعنا بها بحكم التبعية لا بالقصد الأول ، فمكر العموم الإلهي هو إرداف النعم على إثر المخالفات ، وزوالها عند الموافقات ، وقد يكون المكر الإلهي في حق بعض الناس من الممكور بهم يعطي الشقاء وهو في العامة ، وقد يكون يعطي نقصان الحظ وهو المكر بالخاصة وخاصة الخاصة ، فالمؤمن ما هو في أمان إلا في دار الحيوان ، وأما في هذه الدار فهو في محل الاختبار ، فإما إلى دار القرار وإما إلى دار البوار ، مما روينا أن جبريل وميكائيل عليهماالسلام بكيا ، فأوحى الله إليهما ما شأنكما تبكيان؟ فقالا : لا نأمن مكرك ، قال : كذلك فكونا لا تأمنا مكري.
(أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (١٠٠) تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (١٠١) وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) (١٠٢)
(وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) أي عن الوفاء بالعهد ، قال تعالى : (أَوْفُوا بِعَهْدِي) وقال تعالى : (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ).
(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٠٣) وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٤) حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ