قال بعض المفسرين إن السموات والأرض وما بينهما خلقهما الله في ستة أيام مقدرة لا موجودة ، على تقدير لو كانت ثمّ أيام كان هذا المقدار ، وهذا خطأ ، فإن السموات والأرض وما بينهما إنما خلقهم الله في هذه الستة الأيام الموجودة المعلومة عندنا ، وإنها كانت موجودة قبل خلق السماء والأرض ، فإن السموات السبع والأرضين ليست الأيام لها ، وإنما لفلك النجوم الثوابت ، وقد كان قبل السموات دائرا ، فاليوم دورته ، غير أن النهار والليل أمر آخر معلوم في اليوم ، لا نفس اليوم ، فحدث النهار والليل بحدوث السموات والأرض لا الأيام ، والله ما قال في ستة أنهار ولا في ست ليال ، وإنما ذكر الأيام ، ووقع ابتداء الخلق في يوم الأحد ، وانته الخلق في يوم الجمعة ، وقال في يوم السبت وقد وضع إحدى الرجلين على الأخرى : أنا الملك (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) راجع البقرة آية رقم (٢٩) وطه آية رقم (٥) واعلم أن الله أوجد العرش إظهارا لقدرته ، لا محلا لذاته ، وأوجد الوجود لا حاجة إليه ، إنما هو إظهار لأسمائه وصفاته ، فهو تعالى مقدس في وجوده عن ملامسة ما أوجده ، ومجانبته ومواصلته ومفاصلته ، لأنه كان ولا كون ، وهو الآن كما كان لا يتصل بكون ، ولا ينفصل عن كون ، لأن الوصل والفصل من صفات الحدوث لا من صفات القدم ، لأن الاتصال والانفصال يلزم منه الانتقال والارتحال ، ويلزم من الانتقال والارتحال التحول والزوال والتغيير والاستبدال ، هذا كله من صفات النقص لا من صفات الكمال ، فسبحانه سبحانه ، وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا ، ولكن اقتضت مرتبة من لا يقبل المكان أن يخلق سماء جعله عرشا ، ثم ذكر أنه استوى عليه حتى يقصد بالدعاء وطلب الحوائج ، فلا يبقى العبد حائرا لا يدري أين يتوجه ، لأن العبد خلقه الله ذا جهة (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) أي يغطيه وهو النكاح والإيلاج ، لظهور أعيان المولدات وما يحدث الله في الليل والنهار من المخلوقات عن هذا الإيلاج والغشيان ، لإيجاد ما سبق في علمه أن يظهر فيه ، من الأحكام والأعيان في العالم العنصري ، فنحن أولاد الليل والنهار ، فما حدث في النهار ، فالنهار أمه والليل أبوه ، لأن لهما عليه ولادة ، وما ولد في الليل فالليل أمه والنهار أبوه ، فإن لهما عليه ولادة ، فلا يزال الحال في الدنيا ما دام الليل والنهار يغشي أحدهما الآخر ، فنحن أبناء أم وأب لمن ولد معنا في يومنا أو في ليلتنا خاصة ، وما ولد في الليلة الثانية والنهار الثاني فأمثالنا ، ما هم إخواننا ، لأن الليل والنهار جديدان (يَطْلُبُهُ