والتكذيب. ومع أنّ الله سبحانه لم يجر عليه من البيّنات شيئا إلا كان أوضح مما قبله إلا أنهم لم يقابلوه إلا بجفاء أوحش مما قبله. فلمّا عضّهم الأمر قالوا : يا أيها الساحر ، ادع لنا ربّك ليكشف عنّا البليّة لنؤمن بك ، فدعا موسى .. فكشف الله عنهم ، فعادوا إلى كفرهم ، ونقضوا عهدهم.
قوله جل ذكره : (وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (٥١))
تعزّز بملك مصر ، وجرى النيل بأمره! وكان في ذلك هلاكه ؛ ليعلم أنّ من تعزّز بشىء من دون الله فحتفه وهلاكه في ذلك الشيء.
(أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (٥٢))
استصغر موسى وحديثه ، وعابه بالفقر .. فسلّطه الله عليه ، وكان هلاكه بيديه ، فما استصغر أحد أحدا إلا سلّطه الله عليه (١).
قوله جل ذكره : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٥٤))
أطاعوه طاعة الرهبة ، وطاعة الرهبة لا تكون مخلصة ، وإنما تكون الطاعة صادقة إذا صدرت عن الرغبة.
قوله جل ذكره : (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥))
(آسَفُونا) أغضبونا ، وإنما أراد أغضبوا أولياءنا ، فانتقمنا منهم. وهذا له أصل في باب
__________________
(١) يحاول القشيري أن يغمز بأولئك الذين يتعرضون للأولياء والعارفين ، وكيف أن الحق ـ سبحانه ـ يتولى عنهم ردّ كيد الكائدين.