سورة نوح
قوله جل ذكره : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(بِسْمِ اللهِ) اسم لمن قامت السماوات والأرض بقدرته ، واستقامت الأسرار والقلوب بنصرته .. دلّت الأفعال على جلال شانه ، وذلّت الرّقاب عند شهود سلطانه. أشرقت الأقطار بنوره في العقبى ، وأشرقت الأسرار بظهوره في الدنيا ، فهو المقدّس بالوصف الأعلى.
قوله جل ذكره : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١))
أرسلنا نوحا بالنبوّة والرسالة. (أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ) أي بأن أنذرهم وإرسال الرّسل من الله فضل (١) ، وله بحق ملكه أن يفعل ما أراد ، ولم يجب عليه إرسال الرّسل لأن حقيقته لا تقبل الوجوب.
وإرسال الرسل إلى من علم أنه لا يقبل جائز (٢) ، وتكليفهم من ناحية العقل جائز (٣) فنوح ـ علم منهم أنهم لا يقبلون .. ومع ذلك بلّغ الرسالة وقال لهم : إنى لكم نذير مبين :
(قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً (٥) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلاَّ فِراراً (٦)
__________________
(١) فى النسختين (فعل) وهي صواب بدليل قوله فيما بعد : (أن يفعل) ما أراد ولكننا رجحنا (فضل) لأن القشيري يستحسن استعمال (الفضل) عند ما يتحدث عن نفى (الوجوب) على الله.
(٢) كى يكون ذلك عليهم حجة ، قال تعالى : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ).
(٣) ولكن لا عقاب إلا بعد إرسال الرسل ؛ لأن العقل وحده غير كاف في قطع المعذرة (قارن ذلك بآراء المعتزلة).