قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩))
الذي سوّلت له نفسه أمرا يتوهّم أنه على صواب ، ثم يحمل صاحبه على موافقته في باطله ، ويدّعى أنه على حقّ. وهو بهذا يضر بنفسه ويضر بغيره. ثم إذا ما انكشف ـ غدا ـ الغطاء تبيّن صاحبه خيانته ، وندم على صحبته ، ويقول : (يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً) (١) و (يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ). ولكنّ هذه الندامة لا تنفع حينئذ ؛ لأنّ الوقت يكون قد فات ، لهذا قال تعالى :
(وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ)
قوله جل ذكره : (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠))
هذا الاستفهام فيه معنى النفي ؛ أي أنه ليس يمكنك هداية من سددنا بصيرته ، ولبّسنا عليه رشده ، ومن صببنا في مسامع فهمه رصاص الشقاء والحرمان .. فكيف يمكنك إسماعه؟!
قوله جل ذكره : (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١))
يعنى : إن انقضى أجلك ولم يتفق لك شهود ما نتوعّدهم به فلا تتوهّم أنّ صدق كلامنا يشوبه مين (٢) ، فإنّ ما أخبرناك عنه ـ لا محالة ـ سيكون.
قوله جل ذكره : (أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢))
أثبته على حدّ الخوف (٣) والرجاء ، ووقفه على وصف التجويز لاستبداده (٤) ـ سبحانه
__________________
(١) آية ٢٨ سورة الفرقان.
(٢) في م (مبين) وهي خطأ في النسخ إذ الصواب (المين) أي الكذب.
(٣) فى ص (الحزن) : لكننا آثرنا عليها ما جاء في م فالخوف ـ لا الحزن ـ يقابل الرجاء في المصطلح الصوفي (أنظر رسالة القشيري ص ٣٥).
(٤) استبد بالأمر ـ انفرد به (الوسيط).