وفي الخبر أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال للأنصار : أما ترضون أن يرجع الناس بالغنى ؛ وأنتم ترجعون بالنبي إلى أهليكم؟
(لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا ..) : لو كانت المقادير متساوية لتعطلّت المعايش ، ولبقى كلّ عند حاله ؛ فجعل بعضهم مخصوصين بالرّفه والمال ، وآخرين مخصوصين بالفقر ورقة الحال .. حتى احتاج الفقير في جبر حاجته إلى أن يعمل للغنيّ كى يرتفق من جهته بأجرته فيصلح بذلك أمر الغنيّ والفقير جميعا.
قوله جل ذكره : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (٣٣))
معنى الآية أنه ليس للدنيا عندنا خطر ؛ فالذى يبقى عنّا لو صببنا عليه الدنيا بحذافيرها لم يكن ذلك جبرانا لمصيبته. ولو لا فتنة قلوب المؤمنين لجعلنا لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج من فضة ، وكذلك ما يكون شبيها بهذا.
ولو فعلنا .. لم يكن لما أعطيناه خطر ؛ لأنّ الدنيا بأسرها ليس لها عندنا خطر.
قوله جل ذكره : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦))
من لم يعرف قدر الخلوة مع الله فحاد عن ذكره ، وأخلد إلى الخواطر الرديّة قيّض الله له من يشغله عن الله ـ وهذا جزاء من ترك الأدب في الخلوة. وإذا اشتغل العبد في خلوته بربّه .. فلو تعرّض له من يشغله عن ربه صرفه الحق عنه بأى وجه كان ، وصرف دواعيه عن مفاتحته بما يشغله عن الله.
ويقال : أصعب الشياطين نفسك ؛ والعبد إذا لم يعرف خطر فراغ قلبه ، واتّبع شهوته ، وفتح ذلك الباب على نفسه بقي في يد هواه أسيرا لا يكاد يتخلّص عنه إلا بعد مدّة.
قوله جل ذكره : (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا