عن غيره : إنه أراد بالسّمع وعي ما يسمع والعمل به ، وبالبصر الاعتبار بما
يرى من صفاته جلّ وعزّ. الوارث هو الباقي بعد فناء خلقه. فيجوز أنّه أراد بقاء
السمع والبصر وقوّتهما عند الكبر وانحلال القوى النّفسانية ، ويكون السّمع والبصر
وارثي سائر القوى والباقيين بعدها. وردّ الهاء إلى الإمتاع ، ولذلك وحّدها بمعنى
أنّه أعاد الضّمير مفردا وإن تقدّم شيئان اعتبارا بالمصدر المدلول عليه الفعل.
قوله تعالى : (وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ
يَعْقُوبَ) أي يرث العلم والنّبوّة ؛ تمنّى بقاء العلم والنبوّة في
عقبه ؛ فإنّ الأنبياء لا يورّثونه ، إنّما يورّثون العلم ، لأنّهم لا يعرفون به ولا يقتنونه إلا بقدر ما تدفع الحاجة ، ولا يتنافسون
فيه بل ينهون عن الاستكثار منه ، وعن الاشتغال به عمّا الإنسان بصدده من الأمور
الأخرويّة ، ويزهدون في الدّنيا ويرغبون في الآخرة. فكيف يتمنّون أن يورثوا غيرهم
ذلك؟ وقد قال عليه الصلاة والسّلام : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه
صدقة» . وقوله عليه الصلاة والسّلام : «العلماء ورثة الأنبياء» إشارة إلى ما يورّثونه من العلم ، والتقدير عليه والأمر
به دون إحداث شريعة أخرى. وفي قوله : «الأنبياء» دقيقة ، وذلك أنّ شأن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يقرّر شريعة من تقدّمه من الرسل ، ويحمل الناس عليها
من غير تشريع جديد بخلاف الرّسول فإنه يأتي بشريعة أخرى غير التي كانت لمن قبله.
فلذلك قال «ورثة الأنبياء» ولم يقل : «ورثة الرّسل» فإنّ كلّ رسول نبيّ من غير
عكس.
وقال عليه
الصلاة والسّلام لابن عمّه عليّ : «أنت أخي ووارثي. قال : وما أرثك؟ قال : ما
ورّثت الأنبياء قبلي ؛ كتاب الله وسنّتي» وناهيك بهاتين المنقبتين لأمير المؤمنين لو لم يكن
غيرهما لكفتاه فخرا. قوله : (أَنَّ الْأَرْضَ
يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) أي يتمكّنون
__________________