هَدانا لِهذا)(١) قال (٢) وهذه الهدايات الأربع مرتّبة ؛ فمن لم تحصل له الأولى لم تحصل له الثانية ، بل لا يصحّ تكليفه. ومن لم تحصل له الثانية لم تحصل له الثالثة والرابعة. ومن حصلت له الرابعة فقد حصل له الثلاث التي قبلها. ومن حصل له الثلاث فقد حصل له اللتان قبلها ، ثم لا تنعكس (٣) ؛ وقد تحصل الأولى ولا يحصل الثاني ، ويحصل الثاني ولا يحصل الثالث. والإنسان لا يقدر أن يهدي أحدا إلا بالدّعاء وتعريف الطرق دون سائر أنواع الهدايات.
وإلى الأولى أشار بقوله : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) وإلى سائر الهدايات أشار بقوله : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) قال : وكلّ هداية ذكر الله تعالى أنّه منع الظالمين والكافرين فهي الهداية الثالثة التي هي التوفيق الذي يختصّ به المهتدون. والرابعة التي هي الثواب في الآخرة وإدخال الجنّة (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) إلى قوله : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(٤).
قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى)(٥) أي أنّ الله تعالى هو الذي يهدي خلقه إلى الحقّ ، فهو أحقّ بالاتباع ممّن لا يهدي أن يهتدي بنفسه. يقال : هدى بنفسه يهدي ـ مخفّفا ـ بمعنى اهتدى يهتدي ، نحو شرى يشري بمعنى اشترى يشتري. إلا أن «يهدي» إلى طريق يسلكها أو عمل يرشده إليه. وهذا استفهام توبيخ لهم على ما اتّخذوه من دون الله إلها يعبد ، وإن كان من أشرف الناس وخيرهم كالمسيح وعزير والملائكة. يعني أنّ الله وحده هو الذي يهدي كلّ أحد ، وغيرهم لا يهدي غيره إلا أن يهديه الله.
وقيل : معنى : (لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ)(٦) ، أي لا يصلح. فاستعار الهداية
__________________
(١) ٤٣ / الأعراف : ٧.
(٢) يريد الراغب.
(٣) وفي مطبوعة المفردات ، من غير «لا».
(٤) ٨٦ / آل عمران : ٣.
(٥) ٣٥ / يونس : ١٠.
(٦) ٥٢ / يوسف : ١٢.