فخرج الرضا عليهالسلام وعليه قميص قصير أبيض ، وعمامة بيضاء لطيفة ، وهما من قطن ، وفي يده قضيب. فأقبل ماشياً يؤم المصلِّين ، وهو يقول : السلام على أبويّ آدمَ ونوحٍ ، السلام على أبويّ إبراهيمَ وإسماعيلَ ، السلام على أبويّ محمّد وعليٍ ، السلام على عباد الله الصالحين.
فلمّا رآه الناس هرعوا إليه ، وانهالوا عليه ؛ لتقبيل يديه.
فأسرع بعض الحاشية إلى الخليفة المأمون ، فقال : يا أمير المؤمنين تدارك الناس ، واخرج وصلّ بهم ؛ وإلّا خرجت الخلافة منك.
فحمله على أن خرج بنفسه ، وجاء مسرعاً ، والرضا عليهالسلام بعد من كثرة الزحام عليه لم يخلص إلى المصلى ، فتقدَّم المأمون وصلَّى بالناس» (١).
وفي عيون أخبار الرضا عليهالسلام عن تميم القرشي ، عن أبيه ، عن أحمد بن علي الأنصاري ، قال : «سألت أبا الصلت الهروي ، فقلت له : كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا عليهالسلام ، مع إكرامه ومحبته له ، وما جعل له من ولاية العهد بعده؟
فقال : إنَّ المأمون إنّما كان يكرمه ويحبُّه لمعرفته بفضله ، وجعله له ولاية العهد من بعده ، ليري الناس أنه راغب في الدنيا ، فيسقط محلُّه من نفوسهم. فلمَّا لم يظهر منه في ذلك للناس إلا ما ازداد به فضلاً عندهم ، ومحلّا في نفوسهم ، جلب عليه المتكلّمين من البلدان ، طمعاً من أن يقطعه واحد منهم ، فيسقط محلُّه عند العلماء ، وبسببهم يشتهر نقصه عند العامَّة ، فكان لا يكلّمه خصم من اليهود ، والنصارى ، والمجوس ، والصابئين ، والبراهمة ، والملحدين ، والدهرية ، ولا خصم من فرق المسلمين المخالفين له ، إلّا قطعه وألزمه الحجّة.
وكان الناس يقولون : والله إنه أولى بالخلافة من المأمون.
وكان أصحاب الأخبار يرفعون ذلك إليه ، فيغتاظ من ذلك ، ويشتدُّ حسده.
__________________
(١) کشف الغُمَّة ٢ : ٥٨.