الناس على دين ملوكهم ، وأمّا نِعْمَ العُلماء ؛ فلأنَّ في تركهم لباب السلطان رفعاً لمنصبهم الروحاني عن الانخفاض.
يُحکی : (أنَّ السلطان شاه عبَّاس الثاني الصفوي المتوفّى سنة (١٠٧٧ هـ) دخل مدرسة المولی ملا عبد الله التوني المتوفى سنة (١٠٧١ هـ) صاحب (الوافية في الأُصول) ـ وكان معاصراً للسيد الداماد ـ فرأى أنَّ المدرسة خالية من طلبة العلوم ، فسأل من المولى عبد الله السبب في ذلك فقال له : إنّي اُجيب حضرة السلطان بعد أيام ، فلمَّا كان بعد أيام ، حضر المولى مجلس السلطان ، فأكرم قدومه ، وقال له : اطلب منّي ما يهمّك؟ فقال المولى : ما يهمني شيء. فأصرّ عليه السلطان ، فقال له : لي إليك حاجة واحدة وهي أني أركب فرس السلطان ، والسلطان يمشي قدَّامی راجلاً حَتَّى يجتاز الميدان الفلاني.
فسأله السلطان عن الحكمة والغرض من ذلك ، فقال المولى : اُبيّن لك ذلك بعد أيام ، ففعل السلطان ما سأله ، وبعد أيام عاود السلطان إلى المدرسة ، فرآها مملوءة من الطلاب مشحونة بالتلاميذ وهي مجدّة في التحصيل غاية الجدّ ، فسأل السلطان عن السبب في تغيير الحالة؟ فقال المولى : السبب فيما يراه حضرة السلطان وما طلبته منه ، إنَّ الناس ما كانوا عارفين قدر العلم ، وفضيلة العلماء حَتَّى إذا رأو بعيونهم من فعل السلطان مع العالم ، ومشيه قدّامه راجلاً وهو راكب ، فعلموا من ذلك أن مرتبة العالم في الدنيا أعلى من مرتبة السلطان ، فطلباً لهذه المرتبة ، وطمعاً في الجاه والجلال ، وجمع المال السريع الزوال ، اجتمعوا في المدرسة وجدّوا في تحصيل العلم ، وإذا تمّ لهم ذلك ، وبلغوا بعض المراتب العلمية ، تتبدَّل نياتهم وتصلح سرائرهم وتحصل لهم