مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ)(١) ، فقرأها عليه ثلاثا وضربه ثلاثا. فقال له الرجل : ما لي يا أمير المؤمنين؟ فقال : أنت الذي نسخت كتاب دانيال؟ قال : مرني بأمرك أتّبعه ، قال : انطلق فامحه بالحميم والصوف الأبيض ، ثم لا تقرأه ولا تقرئه أحدا من الناس ، فلئن بلغني عنك أنّك قرأته أو أقرأته أحدا من الناس لأنهكتك عقوبة.
ثم قال له عمر : اجلس ، فجلس بين يديه ، فقال : انطلقت أنا فانتسخت كتابا من أهل الكتاب ، ثم جئت به في أديم. فقال لي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما هذا في يدك يا عمر؟! قلت : كتاب نسخته لنزداد به علما إلى علمنا ، فغضب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى احمرّت وجنتاه ، ثم نودي بالصلاة جامعة ، فقالت الأنصار : أغضب نبيّكم؟ ، السلاح السلاح. فجاءوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : «يا أيّها الناس إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه ، واختصر لي اختصارا ، ولقد أتيتكم بها بيضاء نقيّة ، فلا تهوّكوا ولا يغرنّكم المتهوّكون». قال عمر : فقمت وقلت : رضيت بالله ربّا وبالإسلام دينا وبك رسولا ، ثم نزل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ويقرب من ذلك ما أخرجه الحافظ أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي عن جبير بن نضير ، حدّثهم ، قال : إن رجلين كانا بحمص في خلافة عمر ، فأرسل إليهما في من أرسل من أهل حمص ، وكانا قد اكتتبا من اليهود صلاصفة (٢) ، فأخذاها معهما يستفتيان فيها أمير المؤمنين ، يقولون : إن رضيها لنا أمير المؤمنين ازددنا فيها رغبة ، وإن نهانا عنها رفضناها. فلما قدما عليه قالا : إنّا بأرض أهل الكتاب ، وإنا نسمع منهم كلاما تقشعرّ منه جلودنا ، أفنأخذ منه أو نترك؟ فقال : لعلّكما كتبتما منه شيئا! فقالا : لا. قال عمر : سأحدّثكما :
__________________
(١) يوسف / ١ ـ ٣.
(٢) صلاصفة : جمع صلصفة هي الصحيفة.