دواب البر والبحر ، فأعدّوها. ثم قعد على سريره ، وأمر الشياطين أن يصطفوا صفوفا فراسخ ، وأمر الإنس فاصطفوا فراسخ ، وأمر الوحوش والسباع والهوام والطير ، فاصطفوا فراسخ عن يمينه وعن يساره ، فلما دنا القوم من الميدان ، ونظروا إلى ملك سليمان ، ورأوا الدواب التي لم تر أعينهم مثلها تروث على لبن الذهب والفضة ، تقاصرت أنفسهم ، ورموا بما معهم من الهدايا. ثم كان أن استعان سليمان بجبريل والشياطين ، والأرضة في الإجابة عما سألته عنه (١).
ومعظم ذلك مما لا نشك أنه من الإسرائيليات المكذوبة (٢) ، وأي ملك في الدنيا يتسع لفرش تسعة فراسخ بلبنات الذهب والفضة؟!! وفي رواية وهب ما يدل على الأصل الذي جاءت منه هذه المرويّات. وأن من روى ذلك من السلف فإنما أخذه عن مسلمة أهل الكتاب. وما كان أجدر بكتب التفسير أن تنزّه عن مثل هذا اللغو والخرافات التي تدسست إلى الرواية الإسلامية فأساءت إليها.
٢٧ ـ الإسرائيليات في قصة الذبيح وأنه إسحاق
ومن الإسرائيليات ما يذكره كثير من المفسرين ، عند تفسير قوله تعالى :
(وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ. رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ. فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ. فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ
__________________
(١) تفسير البغوي ، ج ٣ ، ص ٤١٧ و ٤١٨.
(٢) تفسير ابن كثير ، ج ٣ ، ص ٣٦٣.