وأوهام ، بحجج قويّة ، قذفت بها على الباطل فدمغته فإذا هو زاهق.
كل ذلك بأسلوب شيّق جذّاب يستهوي القارئ ، ويستولي على قلبه ، ويحبّب إليه النظر في كتاب الله ، ويرغّبه في الوقوف على معانيه وأسراره.
وأيضا فإنّ هذه المدرسة فتحت في وجه التفسير بابا كان مغلقا عليه ، منذ زمن سحيق ، إنها أعطت لعقلها حريّة واسعة النطاق ، وأتاحت للعقل والفكر البشري مجاله الواسع الذي منحه الله له ، ورغّبه في ذلك. (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(١).
ومن ثمّ حكّمت العقل الرشيد على كل مظاهر الدين ، فتأوّلت ما ظاهره المنافاة مع الحقائق الشرعية الثابتة ، والتي دعمها العقل ، وعدلت بها عن إرادة الحقيقة إلى المجاز والتمثيل ، وبذلك وبهذه الحرية العقلية الواسعة ، جارت أهل العدل في تعاليمها وعقائدها ، والتي كان عليها السلف النابهون ، وقذفت بتعاليم الأشاعرة المتجمّدة وراء الظهور ، وبذلك لم تترك مجالا لأحاديث أهل الحشو أن تتدخّل في التفسير ، ولا في عقائد المسلمين في شيء من الأصول والفروع. فقد طعنت في بعض الأحاديث بالضعف تارة وبالوضع أخرى ، رغم ورودها في المجاميع الحديثية الكبرى ، أمثال البخاري ومسلم وغيرهما ؛ إذ أنّ خبر الواحد لا تثبت به عقيدة إجماعا ، ولا هو حجة في هذا الباب عند أرباب الأصول.
أهم روّاد هذه المدرسة
رائد هذه المدرسة الأول وزعيمها وعميدها ، هو الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده ، الذي بنى أساس هذا البنيان الرفيع ، وفتح باب الاجتهاد في التفسير بعد ما
__________________
(١) النحل / ٤٤.