وقت واحد ، وصار له صورة في هذه المرآة ، وصورة في تلك المرآة ، وهنا عندنا عالمان عالم المرآة ، وعالم ذي المرآة ، ففي عالم المرآة الذي هو عالم الصور الحاكية ، يوجد شيئان متغايران : أحدهما الصورة القائمة في المرآة الأولى ، والثاني ، الصورة القائمة في المرآة الثانية ، وبين هاتين الصورتين نسبة ، وهذه النسبة هي نسبة التصادق بحيث ما يرى في الصورة الأولى ، هو عين ما يرى في الصورة الثانية. فالمرآة تعطينا صورتين بنحو بينهما نسبة التصادق القائمة في عالم المرآة. وأما في عالم ذي المرآة ، وعالم المحكي لا الحاكي يوجد شيء واحد فقط ، ولا يوجد نسبة» وهذا المثال نطبقه هنا فنقول بأن هناك واقعا واحدا في نفس الأمر ، وهذا الواقع الواحد له مفهومان ذهنيان : أحدهما مفهوم زيد والآخر مفهوم عالم ، على غرار الصورتين المرآتيتين لوجود زيد الواحد في نفس الأمر ، فكلا المفهومين لوحظا بما هما مشيران إلى شيء واحد وواقع واحد. ففي صقع الوجود الذهني يوجد شيئان ومفهومان بينهما نسبة واقعية ، وهذه النسبة الواقعية الذهنية نسبة تصادقية واقعية لا نسبة تحليلية ؛ وبهذا يعرف لما ذا كانت الجملة هنا تامة وهناك ناقصة : فهذه تامة لأنها نسبة واقعية ، وتلك ناقصة لأنها تحليلية ، وكلتا النسبتين في عالم التصور المحض فتارة أتصور النسبة تامة ، وأخرى ناقصة ، وبهذا ظهر السر فيما أشرنا إليه من أنه لما ذا يصح قولنا : «هل زيد عالم» ، ولم يصح قولنا «هل زيد العالم». وبهذا اتضح الفرق بين النسبة التامة ، والنسبة الناقصة ، بلا حاجة إلى إدخال الدلالة التصديقية ، والنسبة في البين.
وبهذا يكون مطلب المشهور معقول في نفسه بل هو المتعيّن ، والمسلك الثاني القائل بأن جملة (زيد عالم) موضوعة لقصد الحكاية ، لا للنسبة ، هذا في نفسه غير صحيح ، وذلك لأنه يكون موردا لإشكالين :
الإشكال الأول : وهو إشكال مبنائي ، وحاصله ، أنّ صاحب هذا المسلك الذي يقول بأن جملة «زيد عالم» تدل على قصد الحكاية ، ما ذا يقصد بهذه الدلالة؟.