ومع ذلك فقد اعترض على تشريع القصاص في الإسلام خصومه فادعوا انه خلاف إنسانية الإنسان. وأنت بعد الإحاطة بما ذكرناه تعلم أن ما ذكروه في المقام واضح الفساد.
وقد استدل على إلغاء هذا الحكم بأمور هي :
الأول : ان تقرير حق الاقتصاص إقرار للعادات السيئة التي كانت سائدة في الشعوب الجاهلية ، والأقوام البدائية.
وهذا باطل أما أولا : فلأنّ نظر الإسلام في هذا الحكم هو تربية الإنسان تربية صالحة يرفض معها كل ظلم وانتقام ، ولم يكن ينظر إلى تقرير عادة أو إبطالها.
وثانيا : ذكرنا أنّ حب الانتقام غريزة من غرائز الإنسان والإسلام إنّما أراد تهذيبها وكبح جماحها خلاف ما كانت بين الأقوام وقت نزول القرآن.
وثالثا : فائدة تشريع القصاص إنّما ترجع إلى الجماعة والصالح العام شأنه شأن غالب التكاليف الإلهية.
الثاني : إنّ القوانين الوضعية التي وضعتها الملل الراقية لا ترى جواز عقوبة الإعدام مطلقا ، وترفض إجراءها بين البشر معتمدين في ذلك على أنّ القتل مما ينفر عنه الطبع ويستهجنه وجدان كل إنسان.
وأنّ القتل على القتل يكون فقدا على فقد.
وأنّ القتل بالقصاص فيه من القسوة والانتقام زيادة على نفس القتل الواقع من الجاني ولا بد من إزالة هذه الصفة من بين الناس بالتربية العامة وعقاب القاتل بما هو أدون كالسجن والأعمال الشاقة.
الثالث : إنّ المجرم إنّما يكون مجرما وأقدم على الجريمة لأجل عذر له إما للجهل أو عدم التربية الصالحة ، أو لمرض عقلي فيجب في هذه الحالة علاجه إما بالتربية الصالحة أو معالجة مرضه.
وإنّ إبقاء الفرد الجاني أولى من إفنائه لأنّ في إبقائه منفعة للمجتمع ولا ملزم لأن نقبل عقوبة القصاص إلى الأبد فيعاقب الجاني بما يعادل القتل ، وفي